قال تعالى:" وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ".
وقال الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بما في التنزيل ، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل .
وسأل سيدنا عمر رضي الله عنه كعبا فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر رضي الله عنه: أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى.
تشمير للطاعة، ونظر في الحلال والحرام، وورع من الزلل، ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه.
يقول الصحابي الجليل سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى:" ياأيها الذين آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ".قال :هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، و يشكر فلا يكفر.
و قال بعض الصالحين في معنى التقوى : " أن لا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك "
التقوى أساس الإيمان ، والخشية من الرحمان ، قال الله تعالى : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون " فالمتقي ولي الله تعالى.
من عــرف الله فلـــم تغنــــــه
معرفـــة الله فذاك الشــقـــــي
ما يصنع المرء بعز الغنـــــى
والعز كــــــل العز للمتقـــــي
وللتقوى فوائد كثيرة منها: الحفظ من الأعداء لقوله تعالى(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا )، ومنها التأييد والنصر لقوله تعالى ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) ، ومنها النجاة من الشدائد والرزق الحلال لقوله تعالى( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ، ومنها إصلاح العمل وغفران الذنوب لقوله تعالى ( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ) ، ومنها النور لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) ، ومنها المحبة لقوله تعالى ( إن الله يحب المتقين ) ، ومنها الإكرام لقوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ،
البشارة عند الموت لقوله تعالى ( الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، ومنها النجاة من النار لقوله تعالى ( ثم ننجي الذين اتقوا ) ، ومنها الخلود في الجنة لقوله تعالى ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ).
ومنها حفظ الذرية: قال تعالى(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا).إنَّ التقوى هي الغايةُ المرجوةُ من وراءِ العباداتِ التي فرضهَا اللهُ تعالى عَلينَا من صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وحجٍ.
واتق الله فإن تقوى الله ما
جاورت قلب امرئ إلا وصل
وقد صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال:"تقوى الله، وحسن الخلق"، ثم قيل له: ما أكثر ما يُدخل الناس النار؟ قال: "الفم والفرج".
قال الرجل الصالح إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه لصديق له :إن قبلت مني ست خصال أوصيك بها فلا يضرك ما عملت بعدها، قال الرجل : وما هي ؟
قال إبراهيم بن أدهم : إن أردت أن تعصي ربك فلا تأكل رزقه ، قال الرجل : فإذا كان كل شيء رزقه ، فمن أين آكل ومن أي شيء أرزق ؟ ، فقال إبراهيم : أفيحسن بك أن تعصيه وأنت تأكل رزقه ؟ قال الرجل: لا والله .
قال إبراهيم بن أدهم: إن أردت أن تعصي ربك فلا تسكن بلده ، قال الرجل : فإذا كانت السهول والجبال والأرض والسماء كلها ملكه ، فأين أسكن ؟ ، فقال إبراهيم : أفيحسن بك أن تعصيه وأنت تسكن بلده ؟ قال الرجل: لا والله .
قال إبراهيم بن أدهم: إن أردت أن تعصي ربك فلا تجعله يراك ، قال الرجل : فإذا كان يراني ولا يخفى عليه مكاني ؟ ، فقال إبراهيم : أفيحسن بك أن تعصيه وهو يراك في كل زمان و مكان ؟ قال الرجل: لا والله .
قال إبراهيم بن أدهم : إذا جاءك ملك الموت فاستمهله حتى تتوب ، قال الرجل : فإذا كانت الآجال محدودة ، والأنفاس معدودة ، فقد قال تعالى ( فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) ؟ ، فقال إبراهيم : أفيحسن بك أن تعصي من إليه المرجع والمصير ومن بيده أرواح العباد ؟ قال الرجل: لا والله .
قال إبراهيم بن أدهم : إذا كان الغد وذهبت بك الزبانية إلى النار ، فقل لا أذهب إليها ! ، فدمعت عين الرجل من هول ما سمع .
فقال إبراهيم بن أدهم : حسبي حسبي فلا خير من تقوى الله .
التقوى هي التي تصحب العبد إلى قبره فهي المؤنس له من الوحشة والمنجية له من عذاب الله العظيم: (دخل علي رضي الله عنه المقبرة فقال: يا أهل القبور ما الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت وأن بيوتكم قد سكنت وإن زوجاتكم قد زوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى).
أجل فإنها خير زاد، كما قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله: (من عمر بن الخطاب، إلى عبد الله بن عمر.أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاءَ قلبِك).
نسأل الله أن يجعلنا من المتقين،اللهم إنا نسلك الهدى والتقى والعفاف والغنى.