.......هذه هي الجنّة.. فماذا أعددتَ ثمنا لها؟
(فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ . وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ. وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَة))
سلطان بركاني
الشروق : 2017.06.20لعلّه يحسن بنا ونحن نستعدّ لوداع رمضان بعد أيام قلائل، أن نذكّر بعضنا بعضا بحقيقة ربّما يغفل عنها كثير منّا ونحن نعيش ليالي وأيام هذا الشّهر الفضيل، حقيقة أنّ الجنّة تفتّح أبوابها في رمضان، وتتزيّن لعباد الله المسلمين الصّائمين، ليجعلوها نصب أعينهم ويقدّموا أعمالا صالحة تجعلهم من أهلها وساكنيها والخالدين فيها.
إنّها الجنّة، نعيم لا يخطر على بال، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. مهما حاولتَ أن تتخيّل فالجنّة أعظم من ذلك.. تصوّر مُلْكَ مَلِكٍ من أعظم ملوك هذه الدنيا: قصر واسع، حديقة غناء فيها من كلّ الألوان والثمار، أثاث بهيّ وأسرّة ناعمة، طعام من كلّ ما لذّ وطاب، مراكب فاخرة وخدم وحشم يخرج هذا ويدخل ذاك... هذا النعيم لا يساوي عشر نعيم أقل أهل الجنّة منزلة فكيف بأعلاهم منزلة؟يؤتى يوم القيامة بأشدّ أهل الدنيا بلاءً وعذابا من المؤمنين، فيغمس غمسة واحدة في الجنّة، ثمّ يقال له: هل مرّ بك بلاء قطّ؟ فيقول: لا وربّ.. غمسة واحدة في الجنّة ينسى معها كلّ بلاء وعناء.
في الجنّة قصور فاخرة وخيام يحار العقل في وصفها: قصور يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. غرف مبنية بالذهب والفضة بعضها فوق بعض: لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وخيام كلّ خيمة لؤلؤة مجوّفة طولها في السماء 60 ميلا، للمؤمن في كلّ زاوية منها أهل لا يراهم الآخرون.
قصور وخيام تجري من تحتها الأنهار وسط حدائق وبساتين يعجز اللسان عن وصفها؛ حدائق وبساتين ليس فيها تراب ولا غبار، تربتها الزعفران وحصباؤها الدرّ والياقوت. بساتين فيها من كلّ الأشجار والثمار، فيها من كلّ العيون والأنهار، فيها أرائك وسرر وزرابي مبثوثة، فيها من الأنس والطرب ما لا يحيط به إلاّ وصف خالقها جلّ شأنه؛ أشجار ليست كأشجار الدنيا، أشجار لا تنقطع ثمارها أبدا، أشجار سيقانها من ذهب وأغصانها من زمرد، إذا هبّت عليها ريح الجنّة اهتزت وتمايلت وأصدرت من الأصوات ما تترنّم له الآذان وتهتزّ له القلوب، أشجار ثمارها قريبة مذللة يتناولها العبد المؤمن وهو على سريره أو أريكته أو فراشه. ثمار كثيرة ومتنوعة، وكلّ نوع منها يتفتّق عن 70 نوعا من الطعوم والألوان. أمّا الأنهار فمن أعجب ما يكون؛ أنهار من ماء صاف نقي كألذ ما يكون، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وأنهار من خمر ليست كخمر الدنيا في مذاقها ولا في ريحها، وأنهار من عسل مصفى. أمّا العيون، فعين ممزوج ماؤها بالكافور، وعين ممزوج ماؤها بالزنجبيل، وعين ممزوج ماؤها بالتسنيم.
على تلك الأشجار وبجانب تلك العيون والأنهار طيور كأجمل ما تكون منظرا وألذ ما تكون لحما ((وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُون)).
وفي تلك الحدائق والبساتين أرائك فاخرة وفرش بطائنها من استبرق فكيف بظواهرها!، وزرابي مبثوثة في كلّ مكان، عليها من النمارق (الوسائد) ما يبهج النفس ويسرّ الخاطر ((فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ . وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ. وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَة))، أعدت للجلوس والاتكاء، والتنعّم ببهاء الجنّة، والترنّم بأصوات أشجارها وأنهارها وغناء الحور العين فيها...