حدثني مَن أثِق به من أهل مدينة جدة، قال لي: لي ست سنوات لم تفتني صلاة الفجر مع الجماعة بل ولله الحمد والمنة أحضر إلى المسجد قبل أن يفتح المؤذن باب المسجد. وفي يوم من الأيام استأذنتُ إمام المسجد بنسخ مفاتيح أبواب المسجد، فسمح لي بذلك وأصبحت أسابق المؤذن في فتح الأبواب وتشغيل المكيفات والأنوار.
استمرّت الهِمَّة ولم أجعلها تقف عند هذا الحد، فأخبرتُ إمام المسجد بفتح مسابقة في المسجد بعنوان: (فرسان الفجر)، وهي تعويد أبناء الحي على الحرص على الصّلوات وخاصة صلاة الفجر، وتكلّم الإمام جزاه الله خيراً بهذه المسابقة وتمَّت الموافقة من قبل أبناء الحي بالتّحضير اليومي بدفتر التحضير وفي كلّ نهاية شهر يكرّمون الأبناء مع أولياء أمورهم وتسليمهم جوائز قيّمة، ووصل عددهم بفضل الله إلى 32 طالبا ولله الحمد.
قال لي: أبَشِّرك إنّني أوقظ 49 زميلا لي لمدة 6 أشهر عبر الجوال لصلاة الفجر، أتصل بهم قبل الصّلاة كلّ يوم، ثمّ توقّفت عن ذلك خشية الاعتماد عليّ والخمول عن الصّلاة.
وأضاف: ومِن كرم الله عليّ أنّني أسكن في عمارة يسكن بها والداي، ويومياً بعدما أحضر أبناء الحي لصلاة الفجر، أذهب إلى منزل والدي وأقَبِّل رأسهما وأيديهما وأقرأ لوالدتي بعض السور وبفضل الله حَفّظتُ والدتي سورة تبارك وبعض السور وذلك لتكراري لها لمدّة 9 أشهر تقريباً، ومازلت على هذا الحال.
وبفضل الله تزوّجتُ ورزقني الله بطفلة، ولم أتوقف عن هذا العمل بل صِرت أجتهد أكثر ممّا كنتُ، فاشتريتُ ساعة جرس فوضعتها في الصالة لكي لا تزعج طفلتي وزوجتي بوقت صلاة الفجر وأضبط جوالي ليرن قبل الصّلاة بساعة تقريباً ووضعتُ برنامج المنظم بجوالي لكي أستيقظ لهذه الصّلاة فأوقظ زوجتي ثمّ أذهب إلى المسجد.
وأكّد: أقسم بالله أموري في تيسير، ووالداي تعوّدا على مروري اليومي عليهما، وأسمع منهما الدعاء لي بالتّوفيق والصّلاح.
وأردف قائلا: اسأل نفسك لو أن أحداً قال لك إنّ ملكا من ملوك الدّنيا ينتظرك السّاعة الرابعة فجراً، كيف سيكون شعورك؟ يا سبحان الله.. هذا ملك من ملوك الدنيا فكيف بملك الملوك الله عزّ وجلّ ينزل بالثُلث الأخير من اللّيل ليُعطي السّائل مسألته ويغفِر للتائب زَلّته فسبحانه ما أرحمه، وهل ستنام عن هذا الموعد؟.. ولو أنّ لديك رحلة إلى المطار السّاعة الخامسة فجراً، هل ستنام عن هذه الرحلة؟ بالطبع لا.. ولو قالوا لك إنّ مَن يُصلّي الفجر في المسجد يحصل على 1000 ريال وأنتَ خارج من الباب تُسلَّم إليك؟ هل ستنام عن هذه الفريضة؟ بالطبع لا..
فقلت له: ما هي العوامل التي تُعينك بعد الله على صلاة الفجر؟ فقال:
ـ الدعاء بأن يُعينك الله على القيام لصلاة الفجر وجميع الصّلوات.
ـ الوضوء قبل النوم.
ـ قراءة المعوّذات وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة والنّفث على الكف ثلاثاً ومسح سائر الجسد إن أمكن. النّوم على الشقّ الأيمن.
ـ طهِّر قلبك من أمراض القلوب ولا تجعل في قلبك غلا لأحد من النّاس وسامح مَن أخطأ في حقّك.
ـ وضع المنبّهات مثل ساعة الجوال وبرنامج يوقظك للصلاة مثل برنامج المنظّم أو خاشع للجوالات وشراء ساعة منبّه وضبطها على وقت صلاة الفجر والتّنسيق بين الأصدقاء مَن يستيقظ قبل الأخر يوقظ زميله.
الفوائد من هذه القصة:
ـ حرص هذا الرجل على هذه الفريضة وعظم فضلها ومَن صلّى الفجر في جماعة فهو في ذِمّة الله.
ـ برّ الوالدين من أسباب التّوفيق في الدّنيا والفوز في الآخرة.
ـ الدعاء بأن يستيقظ للصّلوات وخاصة صلاة الفجر وحرصه على آداب النّوم.
ـ حبّه للخير في نشر برنامج أبناء الحي وتعويدهم على الاستيقاظ للذهاب إلى المسجد للصّلوات وخاصة صلاة الفجر.
ـ وسلامة القلب من أعظم استمرار الأعمال الصّالحة.