في منزل ريفي بسيط يتوسّط مزرعة كبيرة بشرق إنجلترا، وُضعت قوانين أسّست لعلوم البصريات و الرياضيات و الفيزياء و الفلك، و أسفل إحدى الأشجار المحيطة به، سقطت تفاحة، فأيقظت عبقرية اكتشفت قانون الجاذبية.. النصر دخلت هذا المنزل الذي وُلد فيه و كبُر «السّير» إسحاق نيوتن رائد علماء عصور النهضة في أوروبا، كما زارت جامعة كامبريدج التي طوّر فيها نيوتن نظريات أحدثت ثورة في العلوم، لتنقل صورا عن حياة لم تكن عادية عاشها في القرن السابع عشر، واحد من أعظم العلماء الذين عرفتهم البشرية. إنجلترا/روبورتاج و تصوير : ياسمين بوالجدري
«على خطى نيوتن».. هو عنوان اختارته جمعية الشعرى لعلم الفلك لرحلتها العلمية إلى المملكة المتحدة، و ذلك بمشاركة النصر و بالتنسيق مع الشبكة الجزائرية للأكاديميين و العلماء و الباحثين، و على تلك الخطى سرنا في زيارة إلى المنزل الذي وُلد فيه إسحاق نيوتن و كلية ترينيتي التابعة لجامعة كامبريدج التي درس فيها أب الرياضيات و واضع علم الميكانيكا الكلاسيكية، و كذا مكتشف الجاذبية و الخيميائي العنيد الذي أحدث ثورة في العلوم بالقوانين و الفلسفة الجديدة التي وضعها في فهم و ممارسة العلوم. بعد قطع عدة كيلومترات وسط حقول و بساتين أخاذة تُعرف بها منطقة "مينلاندز"، وصلنا مقاطعة “لينكونشاير» و تحديدا مزرعة «وولسثورب» أين يقع منزل إسحاق نيوتن.. بمدخلها وجدنا لوحة مكتوب عليها عبارة طريفة كانت كالآتي «هناك 3 تفاحات غيّرت العالم هي تفاحة آدم، تفاحة نيوتن و تفاحة ستيف جوبز».. المزرعة كانت قبل 20 سنة تستغل في الفلاحة من طرف العائلة التي اشترتها من أسرة نيوتن، لكنها تحولت اليوم إلى متحف علمي تسيره مؤسسة التراث القومي “ناشيونال تريست» و هي هيئة غير ربحية مهمتها الحفاظ على المواقع التاريخية و الطبيعية الهامة ببريطانيا. و قد تصادف وصولنا للمزرعة، مع يوم الثلاثاء الذي لا يسمح فيه للزوار بدخول منزل نيوتن، بسبب تخصيص ذلك اليوم لتنظيف المكان و صيانة أغراضه، لكن المشرفين على المزرعة سمحوا لنا بزيارته، عندما علموا أن الأمر يتعلق بوفد قطع آلاف الأميال، خصيصا، من أجل استكشاف منزل العالم إسحاق نيوتن، في إطار رحلة علمية الهدف منها مكافأة تلاميذ جزائريين فازوا في مسابقة “سيرتا علوم”. كتب بالمجان و صور نادرة قبل دخول المنزل الذي يتوسط إسطبلات صغيرة و مساحات للجلوس، طاف بنا دليلان سياحيان بالمكان، و قد كانت البداية من معرض صغير لنباتات الزينة التي تشتهر بها المنطقة، وُضع بالقرب من مكتبة صغيرة توجد بها كتب باللغة الانجليزية جاء بها متبرعون، و تعد بمثابة كنز حقيقي لعشاق المطالعة، فقد كان هناك عناوين في مختلف المجالات و لجميع الفئات، كما أن بعضها نادر و غير متاح ببلدان أخرى، و الجميل أنه يمكن للزائر أخذ أي كتاب يريده دون مقابل، لكنه يستطيع التبرع بأي مبلغ في صندوق توجه تبرعاته لجمعيات خيرية. منزل نيوتن ريفي و جميل و لا يختلف عن النموذج الأوروبي للمنازل المنجزة في القرن السابع عشر، فهو عبارة عن بناية بطابقين متوسطة الحجم و بسقف من القرميد تعتليه مدخنتان، فيما زُينت واجهاته بزهور تختلف ألوانها، و قد أخبرنا الدليلان السياحيان أن الأغراض الموجودة به ليست أصلية، لكن أعيد إنجازها و تصميمها لتتطابق بدقة مع ما كان موجودا فعلا قبل 400 سنة. دخلنا المنزل من الباب الخلفي عبر درج صغير و وجدنا أنفسنا مباشرة في المطبخ، و هو حجرة ضيقة بنوافذ صغيرة و سقف منخفض، تتوسطها طاولة خشبية كانت عليها نماذج من مختلف الأواني المصنوعة من الخشب و الفخار و النباتات و الخضر، حيث كانت عائلة نيوتن تستعملها في الطهي بالاعتماد على ما تنتجه المزرعة، كما تم تعليق مجسمات بعض الحيوانات التي يتم اصطيادها من المنطقة، مثل الأرانب و الطيور.. بعد الخروج من المطبخ وجدنا غرفة الضيوف، و هناك وُضع فوق طاولة مستطيلة الشكل، صحون و ملاعق كبيرة و أكواب معدنية بها نماذج عن أطباق مصنوعة من اللحوم و الخضر، و بجنبها شموع كانت تستعمل في الإضاءة.. في غرفة أخرى وجدنا موقدا يقابله كرسي خشبي، وُضع قرب إبريق كبير كان يعتلي حزمة من الحطب، و بأغلب الحجرات التي دخلناها كانت هناك أغراض منزلية صغيرة تعكس نمط الحياة في تلك الفترة، من ساعات ميكانيكية و شموع و أواني تزيين و حتى الألواح التي كانت تستعمل في غزل القطن و الألبسة التي تعودت نساء و رجال تلك الفترة على ارتدائها، كما وجدنا بإحداها لوحة كبيرة رسمت عليها صورة إسحاق نيوتن عندما كان في السبعينات من العمر، بتلك النظرة الثاقبة التي عُرف بها و شعره الأبيض غير المنسدل على غير العادة، و هي صورة نادرة لهذا العالم الذي يعرفه الكثيرون بشكله عندما كان شابا. شمعة و ريشة و حبات جوز.. و لقد استطاع المشرفون على المزرعة محاكاة حياة نيوتن داخل منزله بشكل متقن و باستعمال أدوات بسيطة، إلى درجة أن كل زاوية و شبر منه تشعرك كأن إسحاق نيوتن لا يزال موجودا، بخربشاته التي لا تزال محفورة على الجدران و أغراضه و ملابسه المبعثرة، و بذلك الأثاث الذي يحاكي بدقة نمط الحياة في تلك الفترة، و هو إحساس يزداد قوة برؤية الغرفة الصغيرة التي كان يستعملها ذلك الشاب العبقري و غريب الأطوار، لتجريب مرور الضوء على الموشور الزجاجي، بهدف تشتيته إلى ألوان الطيف المرئي، بعد أن يحجب الضوء من نافذة صغيرة تطل على بساتين التفاح.. الغرفة بها سرير خشبي صغير وُضع في الزاوية، كان عليه فراش و وسادة و لحاف غير مُرتّب، و كأن إسحاق نيوتن استيقظ منه للتو، كما وُضع بجانبه مكتب خشبي صغير كان عليه موشوران زجاجيان و شمعة و قارورة حبر و ريشة و كذا صحن فضي به حبات جوز يبدو أن نيوتن كان يحب أكلها، و بالقرب منها كان هناك أوراق مبعثرة كُتب عليها نصوص باللغة اللاتينية، و كرسي وُضع به بعض الكتب و قميص بني و أبيض اللون، يشبه الذي كان يرتديه نيوتن في مرحلة الشباب. و يقول المؤخرون أن ذلك الشاب الذي لم يُظهر على عكس أقرانه و خلافا لغربة والدته “حنا”، ميولا للزراعة في تلك المنطقة الفلاحية، كان يمكث بهذه الغرفة طيلة اليوم و يشتغل على تجاربه ليل نهار، إلى درجة نسيانه تناول الطعام، ما جعله يبدو للمحيطين به غريب الأطوار و منعزلا.. في هذه الحجرة البسيطة و الصغيرة، انزوى نيوتن لسنة و نصف كاملة بعد عودته من كلية ترينيتي، التي أغلقت عندما ضرب الطاعون إنجلترا سنة 1665، ليقضي بالمنزل الذي وُلد فيه، 18 شهرا تمثل أهم فترة في حياته، ففيها بدأ يتأمل بعمق و يفكر في القوانين و النظريات التي تحكم علوم الفيزياء و الرياضيات و الفلك و البصريات، لينتج أفكارا أحدثت ثورة في العلوم و لها دور كبير في ما تعيشه البشرية من تطور بعدة مجالات. مولود هزيل فعالم عظيم! وصلنا إلى الغرفة التي وُلد بها إسحاق نيوتن سنة 1642، و ذلك على سرير كان خشبيا بأعمدة و سقف و ستائر حمراء اللون، و بجنبه صندوق وضعت عليه قبعة سوداء اللون بريشة جميلة.. على ذلك السرير الصغير جاء مبكرا للعالم، مولود في الشهر السابع من حمل أمه “حنا”، بعد 3 أشهر من وفاة والده إسحاق الذي سُمي عليه، و يقول المؤخرون أن السيدة التي ساعدت الأم في الولادة، اعتقدت أن المولود لن يعيش لأن جسمه الصغير كان هزيلا جدا، لذلك تأخرت في جلب المياه، لكنه عاش و كبُر و أصبح من أبرز العلماء الذين عرفتهم البشرية.. استغربنا لضيق السرير، فأخبرنا دليلنا أن ذلك راجع إلى أن الإنجليز كانوا في القرن السابع عشر، ينامون على جنبهم و ليس على الظهر أو البطن، تطبيقا لطقوس دينية كانت سائدة في تلك الفترة. و قد وُضع بمدخل إحدى الغرف، صندوق زجاجي عُرضت فيه نسخة قديمة باللغة اللاتينية، عن الطبعة الثانية التي تم نشرها سنة 1726 للكتاب الشهير “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية»، و يُعد هذا الكتاب واحدا من أهم مؤلفات إسحاق نيوتن، فالتطور الذي نعيشه اليوم في مجالات النقل و التكنولوجيا و الفلك و غيرها، كان نتيجة للمبادئ العلمية التي وضعها و لخصها في هذا الكتاب. و صادفت زيارتنا لمزرعة «وولسثورب»، الاحتفال بالذكرى الـ 350 لـ “عام العجائب” و هي تسمية أطلقت على فترة 18 شهرا التي وضع فيها نيوتن أغلب القوانين و النظريات التي غيرت العالم، عندما اعتكف في منزله سنة 1967 هربا من الطاعون، حيث نصبت ورشات صغيرة تجعل من يدخلها يعيش بعض التجارب التي أجراها نيوتن في تلك المدة، ضمن مشروع علمي و ترفيهي سُمي «إضاءة على نيوتن»، مُوجّه على وجه الخصوص لتلاميذ المدارس و الأطفال. بالمزرعة هناك أيضا مركز اكتشاف العلوم و كافيتيريا تُحضّر بها شطائر مصنوعة بتفاح المزرعة المسمى “فلاور أوف كينت”، إضافة إلى غرفة الأفلام التي يعرض فيها للزائرين فيلم قصير عن حياة نيوتن داخل المزرعة، مع تخصيص فضاء للعب الأطفال و مساحات للجلوس و الاستراحة في الهواء الطلق، وسط طبيعة أخاذة و حضور العديد من العائلات التي اصطحبت أبناءها، كما أن المنزل مفتوح للسياح و لتلاميذ المدارس بإنجلترا، و ينتظر أن يحتضن بين 21 و 25 سبتمبر المقبلين، مهرجانا علميا و فنيا بعنوان “حقول الجاذبية”. في موضع سقوط التفاحة.. بعد أن عشنا من جديد تفاصيل حياة نيوتن في المنزل الذي وُلد و كبُر بين جدرانه، كان من الضروري زيارة الشجرة التي يجمع عدة مؤرخين على أن فكرة اكتشاف الجاذبية، كانت بفضل إحدى تفاحاتها.. الشجرة تبعد بأمتار قليلة عن المنزل و تقابل مدخله الرئيسي، وسط بستان من أشجار التفاح الأخضر الممتدة على مساحة كبيرة.. المتأمل للمكان بهوائه النقي و خضاره الذي يبعث على الاسترخاء و السكينة، يمكنه أن يفهم كيف جاء الإلهام الذي قلب موازين علوم الميكانيكا و الحركة و الفلك، عندما تساءل نيوتن بعد أن سقطت التفاحة و هو جالس أسفل الشجرة «لماذا سقطت بشكل عمودي و لم تنعطف يسارا؟»، فاستنتج، بحسب الرواية الشهيرة التي نقلها عنه صديقه “ويليام ستوكيلي»، أن الأمر يتعلق بقوة جذبت تلك التفاحة إلى مركز الأرض، لتكون هذه الحادثة منطلقا لأبحاث حول الجاذبية كُلّلت بنشر نظرية نيوتن للجاذبية سنة 1687، و استمرت على مدى 20 عاما، لتشمل قوانين الجاذبية خارج الكرة الأرضية، في محاولات لفهم و تفسير سبب توازن الأجرام السماوية في الكون. الشجرة كانت متوسطة الحجم بجذع ملتو، و قد قال دليلنا السياحي أنها ليس الشجرة الأصلية التي يرجح أن تكون “تفاحة الجاذبية” سقطت من أغصانها، بل هي شجرة ثانية نمت من نفس المكان الذي انكسرت به الأصلية، بسبب رياح قوية هبّت بالمنطقة منذ عدة عقود، و مع ذلك، أولى المشرفون على المكان اهتماما كبيرا بهذه النقطة من المزرعة، لما لها من أهمية تاريخية و علمية، حيث تم إحاطتها بحاجز خشبي منخفض وُضعت عليه لوحة كُتب عليها أنها تابعة للنباتات التي يشرف عليها «مجلس الشجرة»، و هي منظمة خيرية بريطانية تهتم بحماية النباتات و الأشجار بكامل المملكة المتحدة، و قد صنفت الملكة إليزابيث الثانية في جوان 2002، «شجرة نيوتن» كواحدة من بين 50 “شجرة عظيمة” ببريطانيا، لمكانتها في التراث القومي.. خرجنا من مزرعة نيوتن، لكن ليس قبل الحصول، من دليلينا اللطيفين، على تفاحات أثمرتها تلك الأشجار، التي نمت فوق أرض خصبة كانت موطنا لعبقري العلوم و ربما مُلهما قويا له. نهر و قوارب و لا أسوار بجامعة كامبريدج
بما أن «على خطى نيوتن» هو عنوان رحلتنا، كان من الضروري زيارة الجامعة التي درس فيها هذا العالم و المخترع، و هي كلية الثالوث أو «ترينيتي» التي أسسها الملك هنري الثامن منتصف القرن السادس عشر قبل قرابة مائة عام من مولد نيوتن، و كانت بمثابة مؤسسة دينية تتبع الكنيسة الأنجليكانية.. حيث تُعد اليوم واحدة من بين أهم 31 كلية تابعة لجامعة كامبريدج، فقد تحصل أعضاؤها منذ سنة 1904 و إلى غاية 2009، على 32 جائزة نوبل، معظمها في تخصصات الفيزياء و الكيمياء و الطب. الكلية تضم حوالي 600 طالب و 300 طالب دراسات عليا من مختلف جنسيات العالم، يؤطرهم 180 عضوا أكاديميا، و قد تخرج منها بالإضافة إلى إسحاق نيوتن، عالم الفيزياء جيمس ماكسويل و أفراد في العائلة المالكة، بينهم الأمير تشالز نجل الملكة إليزابيث الثانية و الأميران ويليام فريديريك و هنري، إضافة إلى رؤساء وزراء بالمملكة المتحدة و قادة دول و موظفو مخابرات و كذا أدباء و فلاسفة كبار. قبل دخول كلية «ترينيتي» الواقعة بمدينة كامبريدج المعروفة بجامعاتها العريقة، تسحرك الطبيعة الخلابة المحيطة بها، بأشجار و عشب أخضر ممتد على طول واجهاتها.. منظر تزاوج مع مجرى النهر المار بمدخل الكلية، و الذي كانت تسير عليه قوارب صغيرة يركبها سياح و زوار، فيما فضل آخرون الجلوس على كراس خشبية قرب النهر، في مشهد يجعلك تعتقد لوهلة أنك في قلب لوحة طبيعية لأشهر رسامي العالم.. بمدخل المبنى استقبلتنا جسور جميلة مُحدبة الشكل تستعمل في عبور النهر، و يقول المؤخرون أن أصل تسمية “كامبريدج” يعود في الأصل إلى تلك الجسور التي اشتهرت بها المنطقة، حيث يُقصد بـ “كام” الشكل المُحدّب و “بريدج» تعني الجسر. بمجرد مشاهدة الكلية من بعيد ينتابك شعور غريب، و كأنك ستخوض مغامرة تعود بك لـ 500 سنة إلى الوراء، فمبناها بأبراجه الكثيرة و هندسته الأوروبية المميزة و تلك الزخارف الجميلة، جعلها تحفة معمارية تزيد تشوق الزائر لمعرفة ما تُخبؤه بين أسوارها العتيقة.. الجميل أن جامعة بتلك الضخامة و الأهمية لم تكن مُحاطة بأسوار خارجية، فقد كان محيطها مفتوحا للسياح و الزوار للاستجمام على ضفاف النهر المار عليها، كما لم نجد ببوابتها الرئيسية الضخمة، سوى حارس كبير في السن، كان يرحب بكل من يدخل بابتسامة قائلا «ويلكام» أي «مرحبا بكم». هكذا كان نيوتن يُجرّب سرعة الصوت بدخول «ترينيتي كوليج” تجد ساحة كبيرة بعشب أخضر جميل، و مُحاطة برواق طويل في شكل مربع، حيث تأخذ كل باب منه إلى جهات عديدة تلتقي في ساحة كبرى كان في منتصفها برج صغير مُقبّب مُحاط بزهور جميلة و تتوسطه نافورة، و قد أخبرتنا «تيري لاي ريلي» و هي طالبة كُلفت بمرافقتنا، أن إسحاق نيوتن و بعد قبوله في الكلية سنة 1661، كان يستعمل إحدى تلك البوابات لتجربة سرعة الصوت و سماع الصدى عن طريق قرعها.. في «ترينيتي» درس نيوتن علوم أرسطو و ديكارت و غاليليو و كيبلر و حصل منها على درجته العلمية سنة 1665، و هو العام الذي ترك فيه الكلية بسبب مرض الطاعون، قبل أن يعود إليها بعد سنتين قضاهما في تطوير نظرياته داخل منزله. كل شيء بالكلية كان عتيقا، فالأثاث و النوافذ و الأبواب و حتى السجادات اختيرت لتتلاءم مع خصوصية المكان، فيما عُلقت بالأسوار صور العظماء الذين مروا على الكلية و من بينهم إسحاق نيوتن.. و رغم أن الجامعة لم تعد تلك المؤسسة الدينية التي كان يحكمها رجال الدين المسيحيين قبل أزيد من 3 قرون، إلا أن المعابد الصغيرة الموجودة بها لا تزال مفتوحة على قلة زوارها، خصوصا للكهنة و الراهبات اللواتي وجدنا بعضهن يتجولن داخل الكلية بلباسهن الديني. أما مكتبة الكلية التي احتُفل هذا العام بمرور 600 سنة على إنشائها، فتعد كنزا علميا و مرجعا للعلماء و الباحثين عبر العالم.. و هي عبارة عن قاعة كبيرة تضم خزانات تم صفها في الجانبين، و تحتوي رفوفها على كتب و مخطوطات الكثير منها نادر، حيث وصل عددها إلى قرابة 8 مليون عنوان لعلماء و أدباء من الغرب و آسيا و حتى عرب، كما تم تدعيمها بنسخ الكترونية. بمطعم “هاري بوتر” ! و قد علمنا من مرافقتنا أنه يمنع على الطلبة و الأساتذة الراغبين في الاطلاع على الكتب لمسها، إذ يقوم مختص بتقليب صفحاتها باستعمال قفازات من أجل الحفاظ على الأوراق، و برواق المكتبة، تم وضع صناديق صغيرة عُرضت بها بعض الكتب الأصلية لإسحاق نيوتن و عدد من أغراضه، التي كان من بينها عصا كان يستعملها في المشي و ساعته الشخصية. و بما أن زيارتنا للكلية استمرت إلى ما بعد الظهر، دُعينا إلى تناول وجبة غذاء نباتية مراعاة لكوننا مسلمين، و ذلك داخل مطعم مخصص للطلاب لم يكن كجميع المطاعم، فهو عبارة عن قاعة بسقف مرتفع تضم طاولات و كراس عتيقة تمتد على طول القاعة، وُضعت عليها مصابيح أنيقة و تحيط بها أسوار عُلقت عليها صور أشهر العلماء و الملوك و الأمراء الذين مروا على الكلية، إلى درجة أن من يجلس هناك يعتقد للحظة أنه في مشهد إحدى أفلام “هاري بوتر”! بزيارة كلية “ترينيتي” كانت رحلة “على خطى نيوتن” قد انتهت، فودعنا المكان بعد أن عشنا من جديد تفاصيل لا يعرفها الكثيرون عن عبقري العلوم.[/rtl]
_________________
هنا سقطت تفاحة الجاذبية و اكتُشفت قوانين غيّرت العالم