.......
برج بيزا المائل ( نقلا من مجلة العلوم الامريكية )
ساحة المعجزات Piazza dei Miracoli في پيزا مشهورة أكثر ببرجها المائل، الذي بني كبرج لجرس الكاتدرائية القريبة. وفي هذه اللوحة المرسومة عام 1829، كانت قمة الصرح بعيدة عن المركز مسافة 5 أمتار.
|
إن البرج المائل لم يكن قط منتصبا؛ إذ لم يمض وقت طويل على البدء ببنائه عام 1173، حتى هبطت أساساته بشكل غير متساو، وبدأ البرج بالميلان نحو الجهة الشمالية. ولدى متابعة بنائه، بعد ما يقرب من 100 عام من التوقف، تزحزح المبنى مرة أخرى حتى أصبح في عام 1272 مائلا وبوضوح إلى الجهة الجنوبية. وتقع قمة البرج اليوم على مسافة 5.227 متر بعيداً عن المركز ومائلة باتجاه الجنوب.وخلال تاريخ هذا النصب التذكاري
monument
، حاول المعماريون والمهندسون إيقاف الميلان. ولكن منذ بدء المراقبة المنتظمة عام 1911 ازداد انزياح قمة البرج بمعدل منتظم تقريبا، بمقدار نحو 1.2 مليمتر في كل عام. وتعاظم الخوف على سلامة الصرح عندما انهار فجأة في عام 1989 برج جرس كاتدرائية بافيا الذي بُنِي بشكل مماثل. وبعد ذلك بزمن قصير أغلق برج پيزا أمام الزوار.وفي عام 1990 شكلت الحكومة الإيطالية لجنة خاصة مؤلفة من خبراء إيطاليين وأجانب في مجالات الهندسة الإنشائية وميكانيك التربة وتاريخ الفن وترميم الصروح، مهمتها تحديد سبل جديدة لإنقاذ البرج. وكانت المجموعة التي أعمل معها (اتحاد مشروع برج پيزا) قد أشرفت على مشروعات عدة أدت إلى إحلال الاستقرار في المنشأة وأبطأت من معدل ميلانها.وركزت الجهود الأولية على البرج من الخارج، ولكننا قمنا بالتخطيط لتجريب تقانات أخرى مختلفة جذريا خلال الشهور القليلة القادمة لإيقاف ميلانه. وسوف تطبق هذه الأساليب مباشرة على التربة، لتعديل قاعدة النصب التذكاري. وتُجرى حاليا في ساحة المعجزات
Piazza
dei
Miracoli
ـ حيث ينتصب البرج ـ تجارب حقلية ضخمة، ولكن كل هذا العمل يتم بعيدا عن الصرح ذاته، حيث يجب الانتباه إلى أن أي تعديل في الأرض على مقربة من البرج، قد يؤدي لاحقا إلى الإضرار بالمنشأة.ليس هدفُنا النهائي تقويمَ استقامة البرج. لأن المنشأة مالت باتجاهات مختلفة خلال مراحل بنائها الأولى، مما جعلها تأخذ شكل الموزة بانحنائها، لذا فإنها لن تقف مستقيمة أبدا. وعوضا عن ذلك فإننا نأمل بإرجاع قمتها إلى الوراء مسافة 10 أو 20 سنتيمتر. ومع بعض الحظ سيُبقي مجهودنا الصرح قائما حتى القرن المقبل، لتتم معالجة مشكلة ميلانه من قبل جيل جديد من العلماء بعد أن مضى على تشييده 800 عام.
عزل قاعدة البرج
تاريخيا، كان للجهود المبذولة لإنقاذ البرج آثار جانبية غير مقصودة. مثلا في عام 1935 فكر بعضهم بأن المياه الزائدة تحت البرج تضعف الأساس. لذا حاول العمال عزل قاعدة البرج لمنع تسرب المياه إليها من الأسفل. فتضمنت الخطة الثقب المتكرر في الأساس بشكل مائل ومن ثم ملء هذه الثقوب بمونة من خلطة أسمنتية. ويمكن رؤية النتيجة في الرسم البياني في اليسار: في عام 1935 قفز معدل الميلان إلى أكثر من ست مرات من معدل الميلان في العام الذي سبقه.
|
المرحلة الثالثة: 1360 – 1370
خلال الفترة من عام 1360 إلى عام 1370 بُني الطابق الثامن، وهو حجرة الجرس، التي كانت الإضافة الأخيرة للبرج. حاول المعماريون فيها مرة أخرى ـ لتصحيح الميلان باتجاه الجنوب ـ إمالة حجرة الجرس بزاوية تتجه نحو الشمال. ويمكن رؤية التعديلات المختلفة للمصممين الأوائل بشكل أفضل في مصوَّر يبين مقطعا طوليا للبرج (يظهر في أقصى اليمين). وحالت تلك الجهود المبذولة، إضافة إلى بطء عملية البناء زمنيا (التي أعطت للتربة أسفل أساس المنشأة الوقت الكافي للانضغاط وبالتالي لاكتساب المقاومة لتأثير الانحراف) دون تحطم البرج حتى الآن.
|
ثمانية قرون من الميلان
في البداية كان البرج يميل باتجاه الشمال، ولكن خلال معظم تاريخه انحنى المبنى باتجاه الجنوب. وبلغ معدل الميلان أقصاه في بداية القرن الرابع عشر. وتحركت قمة البرج، ما بين عامي 1911 ـ الذي ابتدأت فيه المراقبة الدقيقة ـ وعام 1990، بمعدل يقارب 1.2 مليمتر في السنة. وفي عام 1993 بدأت الجهود التي بُذِلت للتخفيف من معدل الميلان تؤتي ثمارها.
|
الأساسات
إن طبقات التربة تحت البرج المؤلفة من الطين والرمل قد ارتصّت (دمكت) بشكل غير متساو، مما أدى إلى ميلان البرج. فالأمتار السبعة العلوية تحت المنشأة مؤلفة من مزيج من الطمي mud والطين وتربة رملية. وتحت هذه الطبقة وحتى عمق 20 مترا، يوجد شريط من تربة تسمى محليا بطين پانكون Pancone clay، مشهور بلونه الرمادي الضارب إلى الزرقة. ويمتد الحد الرملي الفاصل بين هاتين الطبقتين الأوليين أفقيا تحت معظم ساحة المعجزات (پيازا دي ميراكولي) ما عدا تحت البرج حيث يشكل هذا الحد منخفضا له شكل القوس. وتتناوب طبقات من الطين والرمل لعمق يقارب 70 مترا. وتغوص كامل منطقة الساحة تدريجيا ولكن من الواضح أن بعض الرقع فيها تغور بسرعة أكبر من الرقع الأخرى. ولم يكن المصممون الأوائل يعرفون بأنهم اختاروا لبناء البرج إحدى المناطق المشؤومة.
|
المرحلة الأولى:1173 - 1178
ابتدأ برج الجرس في پيزا بالميلان تدريجيا خلال فترة بنائه، وتم ذلك على ثلاث مراحل امتدت عبر 200 عام تقريبا. وضعت الحجارة الأولى عام 1173، وفي مرحلة العمل الأولية مال الصرح قليلا باتجاه الشمال. ويمكن رؤية دلائل هذا الميلان في تصميم البرج ذاته: قام العمال للحفاظ على استواء الطوابق الأولى، بصنع الأعمدة والأقواس للطابق الثالث في الجهة الشمالية الغائرة أطول قليلا من مثيلاتها في الجهة الجنوبية. ولكن القلاقل السياسية في پيزا عام 1178 أدت إلى إيقاف العمل في منتصف بناء الطابق الرابع.
|
المرحلة الثانية: 1272 - 1278
استؤنف العمل عام 1272، أي بعد 100 سنة تقريبا، مال البرج خلالها باتجاه الجنوب ـ اتجاه الميلان الحالي. ومن جديد، أمل المصممون بتعديل الميلان، باللجوء هذه المرة إلى تعديل ارتفاع الطابق الخامس، جاعلين الجانب الجنوبي أطول بعض الشيء من الجانب الشمالي. وفي عام 1278، ومع سبعة طوابق منتهية بالكامل، توقف العمل في البرج مرة أخرى بسبب الاضطرابات السياسية. وبحلول عام 1292 كان الميلان واضحا جدا مما استدعى الطلب إلى عدد من البنائين للتحقيق بالمشكلة ـ وهذه هي الأولى من اللجان الكثيرة التي عينت لدراسة البرج عبر الـ 700 سنة الماضية.
|
الجهود الحديثة لتقويم البرج
درست اللجنة الدولية الحالية المكلفة بإنقاذ البرج تقانات مختلفة عديدة للمحافظة على ثبات النصب. فمثلا، يتعرض الجدار الجنوبي إلى إجهادات استثنائية بسبب الميلان الكبير، الذي قد يؤدي في النهاية إلى انهيار البرج. وفي عام 1992 قام العمال بتحزيم الطابق الأول للمبنى بشرائح فولاذية للحيلولة دون تكسر البناء الحجري.
يقوم المؤلف وزملاؤه حاليا، إضافة إلى اتخاذ إجراءات الحماية اللازمة، بالبحث عن كيفية إيقاف ميلان البرج. من أجل ذلك وضعت كمية من سبائك الرصاص يتجاوز وزنها 750 طنا فوق الجانب الشمالي للحلقة الخرسانية التي تحيط بقاعدة البرج، فأدت هذه الأثقال إلى إيقاف انحرافه، وإلى إزاحة قمته باتجاه الشمال مسافة 2.5 سنتيمتر خلال تسعة أشهر (من الشهر 6/1993 حتى الشهر 2/1994).
وبدأ هؤلاء المهندسون، في الشهر6/1995، بتركيب حلقة خرسانية أخرى حول النصب التذكاري، ستثبت في طبقة من التربة الرملية على عمق 50 مترا من سطح الأرض بوساطة كابلات فولاذية تمتد إلى الأسفل من الجانب الشمالي. وهذه الحلقة الثانية التي سيستعاض عنها بسبائك الرصاص في النهاية، ستعطي قوى مثبتة أكبر. ويتوقع المؤلف أن تشد هذه الطريقة قمة البرج إلى الخلف مسافة لا تقل عن 2.5 سنتيمتر أخرى.
وهناك قيد الدراسة تقانات أخرى أكثر جرأة، ستؤدي إلى تغيير في مواصفات التربة تحت البرج. فالمجموعة تدرس إمكانية استخدام التناضح الكهربائي electro-osmosis لزيادة تماسك (رص) طبقات الطين من 10 حتى 20 مترا أسفل البرج؛ إذ يمكن لأقطاب (مسارٍ) كهربائية كبيرة مصنعة من أنابيب فولاذية تولج في الأرض، أن تولد مجالا (حقلا) كهربائيا في الطين (الغَضار) clay. ويمكن لهذا المجال الكهربائي أن يجذب الماء نحو الأقطاب، سامحا بذلك للمهندسين باستخلاص كمية قليلة من ماء الطين الموجود تحت الجزء الشمالي للأساس مما يحتم على طبقات الطين أن تنضغط، لتسمح للجدار الشمالي بأن يغور ببطء ليصبح مستويا تقريبا مع الجدار الجنوبي. وكحل بديل، يمكن لوسائل حفر معقدة أن تستخرج حجوما صغيرة من التربة من تحت الجانب الشمالي، منقصة بذلك سماكة الطبقات ومسببة استقرار البرج بشكل أكثر استواء.
|
تم وضع أكثر من 750 طنا من الرصاص فوق قاعدة البرج في الجهة الشمالية. ودفعت هذه الأوزان أساس الجدار الشمالي إلى الأسفل، مؤدية إلى تقويم البرج مسافة سنتيمترين.
|
يحوي البرج الآن من الداخل معدات مراقبة تسمح بالكشف عن التغيرات الصغيرة في الميلان. فمثلا حدد العلماء في الشهر 9 أن قمة البرج تحركت خلال يومين مسافة 0.24 مليمتر باتجاه الجنوب.
|
تحيط شرائح من الفولاذ بالطابق الثاني، المعرَّض لخطر الانهيار بسبب الضغط المطبق على هذا الجزء من النصب التذكاري. وبسبب ميلان البرج فإن أغلب ثقله (14700 طن) يرتكز على الجانب الجنوبي.
|
منقول