........
تلاميذ "الفايسبوك" و"النسخ واللصق"حسين لقرعالشروق : 22-10-2016الدراسة التربوية التي أصدرتها وزارة التربية منذ 3 أيام فقط بشأن انهيار مستوى تلاميذنا، ينبغي أن تُقلق الجزائريين جميعاً وتدفع السلطات إلى فتح نقاشٍ عاجل وواسع حول المسألة لمعالجتها واقتراح حلولٍ ناجعة لها.
النقاش ينبغي أن يبدأ من الأرقام الصَّادمة التي قدّمتها دراسة الوزارة: لماذا لا يحصل سوى 25 بالمائة من تلاميذنا على المعدّل في العربية وهي لغة التدريس الأولى بالجزائر؟ ولماذا لا يحصل سوى 16 بالمائة على المعدّل في الفرنسية وهي اللغة الأجنبية الأولى بالبلد، و14 بالمائة في الرياضيات على أهميتها وارتفاع معاملها وتوفّر دروس الدعم في هذه المادة وغيرها في كل حيٍّ وقرية؟!
إلى غاية الثمانينيات، لم يكن هناك شيءٌ اسمه دروس دعم في أيِّ مادة، وكانت المراجع قليلة خاصة في الأرياف، ومع ذلك كان مستوى التلاميذ آنذاك عاليا في العربية والفرنسية والرياضيات وغيرها من المواد، والدليل تخرّج مئات الآلاف من الإطارات المؤهَّلة في شتى التخصُّصات، والتي أثبتت كفاءتها في بلدها وفي العديد من دول العالم، فما الذي تغيّر في مدرستنا حتى أصبح 75 بالمائة من تلاميذها لا يحصلون على المعدل في العربية و84 بالمائة في الفرنسية و86 بالمائة في الرياضيات، برغم توفّر دروس الدعم في كل مكان والكتبِ والمراجع والوسائل السمعية البصرية وكذا الأنترنت في كل بلديةٍ تقريبا؟!
في السابق، كان مستوى المعلِّمين والأساتذة يتراوح بين الأهلية والثالثة ثانوي، لكن لا أحدَ كان يطعن في كفاءتهم، في حين أن أغلب الأساتذة الآن، حتى في الابتدائي، حائزون على الليسانس، ومع ذلك يحتاج الأولياء إلى إرسال أطفالهم لتلقي دروس الدعم لفهم المواد الأساسية؟!
مستوى المدرسة القديمة كان عاليا؛ لأن التلاميذ كانوا يقدّسون العلم، توّاقين إلى التحصيل المعرفي، وكان أولياؤُهم يحثُّونهم على تبجيل أساتذتهم وطاعتِهم، ويُبعِدونهم عن شتى المُلهيات للحفاظ على تركيزهم على الدراسة، أما المدرسة الحالية، فقد ضاعت فيها هيبة الأستاذ، وأصبح تلاميذُه يتطاولون عليه، بتحريض من أوليائهم أحياناً، وأصبح شعارُهم "قرِّيني وانا سيدك"!
المدرسة القديمة كان فيها الطلبة يتنافسون على قراءة كتب كبار المؤلفين المشهورين ودواوين فطاحل الشعراء ولا يكتفون بالمقررات المدرسية، أما المدرسة الحالية فيتنافس فيها بعض التلاميذ المنحرفين على حمل المخدِّرات في محافظهم، و"أقلّهم سوءاً" على حمل هواتف آخر طراز والعيش في عالم افتراضي في "الفايس بوك" حتى ساعات متأخِّرة من الليل، ويقدّمون بحوثا جاهزة من الأنترنت بتقنية "قصّ ولصق" من دون أن يعرفوا حتى مضمونها قبل تسليمها، وأفضلهم لم يقرأ في حياته الدراسية بضعة كتب خارج الكتب المقرّرة، لذلك تدهور مستواهم إلى درجة أننا أصبحنا نرى حاملي ليسانس يقعون في أخطاء إملائية معيبة كتلاميذ الابتدائي!
دراسة الوزارة يجب أن تدفعنا جميعاً إلى دقّ أجراس الخطر، وفتح نقاش واسع يفضي إلى تشخيصٍ دقيق لأسباب تراجع مدرسة اليوم عن مدرسة السبعينيات والثمانينيات، واقتراح الحلول الملائمة لها في ظل احترام عناصر الهوية الوطنية. نرجو أن يكون الهدفُ من إصدار هذه الدراسة هو البحث عن إصلاحٍ تربوي حقيقي يستند إلى أسُس علمية وبيداغوجية صارمة، وليس تحميل العربية والتعريب المسؤولية ظلما وزورا لتمرير مشروع فرْنَسة التعليم الذي يُروَّج له منذ أشهر.
إن بعث "المجلس الأعلى للتربية" وإسناد مَهمّة الإصلاح إليه، هو خير بدايةٍ لعلاج معضلة التدهور المتواصل لمستوى المدرسة الجزائرية، وإنقاذ مستقبل الملايين من تلاميذنا في السنوات القادمة.