........"الونيسة".. موضة جديدة لإنقاذ المسنين من الوحدة
الأبناء يستأجرونها بمبالغ خيالية لتعويضهم في رعاية أوليائهم عند الكبر
الشروق : 2017.02.05بالرغم من كون "الونيسات" عادة كانت مرتبطة بالمجتمعات الغربية المعروفة بتفككها وتخلي أبنائها عن ذويهم لكن المفاجأة تكمن في زحف هذه العادة الدخيلة مثل غيرها من العادات على مجتمعنا المترابط والمحافظ، لتصبح الوحدة شبحا يرعب المسنين ويقض مضاجعهم. فتراهم ينامون تاركين الباب مفتوحا وأحيانا يرفعون صوت جهاز التلفزيون أو المذياع كي يتلاشى الخوف بصوته وآخر حلّ لطرده يستنجدون بالغرباء.
قصص كثيرة وأمثلة عديدة لمسنين من الجنسين صادفناهم وسمعنا عنهم لا يتسع المقال للكتابة عنهم جميعا، يملكون الكثير من الأبناء لكن الضرورة تحتم عليهم الاستعانة بالغريب. وهو حال عجوز مسنة كانت تبلغ من العمر 83 سنة وتقيم غرب العاصمة، ولديها 10 أبناء ذكور وإناث جميعهم تزوّجوا وتركوها بمفردها في فيلا فاخرة، فبحثت عن "ونيسة" لتقيم معها دون تسديد كراء وعثرت على فتاة قدمت من إحدى الولايات الداخلية لتعمل في العاصمة، وبعد فترة تزوجت الفتاة وغادرت المنزل لتعود العجوز وحيدة مرة أخرى وبعد أشهر فقط من زواجها توفيت العجوز حزنا.
جامعيات وموظفات ليؤنسن مسنات في عمر أمهاتهن
سيدة أخرى لديها ابنتين متزوجتين بديار الغربة فلم تجد من حل سوى جلب عروسين جديدين للإقامة معها وكانا يعاملانها مثل والدتهما، وبعد مرور الوقت توفيت العجوز، والغريب أن الفتاتين سمحا لهما بالبقاء ببيتهما العائلي بعدما تعوّدا عليهما وأصبح الرجل مثل شقيقهما.
في حين تحبذ عجوز مسنة من العاصمة لديها أبناء متزوجين منهم مغتربون في الاستعانة بالطالبات الجامعيات وكذا العاملات كحلّ يخفف عليها الوحدة فهي تطلب من الفتاة دفع مبلغ 5 آلاف دينار شهريا كإيجار الغرفة، على أن تقوم الفتاة بخدمة نفسها والطبخ والقيام بأعمال المنزل فسنها المتقدم لا يسمح لها بالترتيب والتنظيف. وحتى النساء الصغيرات في السن بتن يفضلن الونيسة فإحدى السيدات بعدما توفي زوجها وتركها في المنزل بمفردها بحثت عن فتاة تشاركها فيه.
عجوز ترضى بإيواء "قاتل" عوض بقائها بمفردها
ولا تقتصر الظاهرة على السيدات فقط بل حتى الرجال بعدما يتقدم بهم العمر ويرحل أبناؤهم يجلبون فتاة غالبا لتباشر أمور المنزل وترعاهم صحيا مقابل مرتب شهري، قد يتجاوز ستة ملايين شهريا، ولكن في هذه الحالة تعمل هذه الونيسة وفق ساعات محددة وتغادر وليس بإمكانها المبيت عكس الحالات السابقة.
ولأن طعم الوحدة التي يتجرعها المسنون مرّ كالعلقم لا يمكن أن يشعر به إلا من يعيشه انتفضت عجوز تبلغ من العمر 91 سنة، في وجه أبنائها الذين استنكروا بشدة جلبها لنساء غريبات أو مثلما قالوا لها "برّانيات" للعيش معها، لترد عليهم "لو كان قتّال يذبح الناس برا وما يذبحنيش أنا نجيبو يعيش معايا" وبالفعل جلبت سيدة مطلقة رفقة أبنائها لتسكن معها بالرغم من اصطدامها بمعارضة قوية من أبنائها.
نداء في خطبة الجمعة للبحث عن ونيسة
ويفضل الباحثون عن الونيسات قصد أئمة المساجد فيطلبون منهم بعد خطبة الجمعة توجيه نداء لكل من يعرف فتاة من عائلة محافظة وعلى أخلاق عالية التقرب من الإمام حتى يدلها على هذه السيدة، وهو ما كشفه لنا إمام مسجد بالعاصمة أطلعته سيدة تملك فيلا فخمة وسيارة وجميع أبنائها في الخارج عن رغبتها في العثور على فتاة لتقيم معها وتؤنسها. ولكن لا يخلو الأمر من جلب بعض المسنات خصوصا السيدات لفتيات منحرفات يكن سببا رئيسيا في سرقة ممتلكاتهن وأموالهن، وأحيانا يورطنهن في قضايا دون علمهن ولا ذنب لهن سوى طيبتهن.
رئيسة جمعية "إحسان": الدولة تعمل على تكوين شباب ليؤنسوا المسنين
وفي هذا الصدد، أوضحت رئيسة الجمعية الوطنية للشيخوخة المسعفة "إحسان" سعاد شيخي، أحقية المسنين في الاستعانة بغرباء حتى لا يظلوا بمفردهم خصوصا إذا استقر كل واحد منهم بحياته الشخصية بعيدا عن ذويه، وهي الكارثة التي بدأت تستشري في المجتمع الجزائري، وأردفت المتحدثة بأن عدة وزارات منها الصحة، التضامن، العمل والجمعية أيضا قد أدركوا الوضعية التي يعيشها عديد المسنين، لذا ستشرع في تكوين شباب مستواهم الدراسي نهائي لرعاية المسنين وتكوينهم في كل ما يتعلق بهذه الفئة من نظام غذائي، حمية، مواعيد تناول الدواء كي يخففوا على هذه الفئة وحدتهم.
النفسانية موهوب: الخوف من الوحدة يدفع بالمسنين للاستنجاد بمجرمين
من جهتها، أكدت الأخصائية النفسانية الدكتورة سليمة موهوب، استحالة عيش الإنسان بمفرده بمعزل عن المحيطين به خصوصا إذا كان متقدما في السن ومن الصعب عليه التحرك والخروج من المنزل، فغالبية المستعينين بالمؤنسات هن الفئة العمرية المتراوحة مابين 70 و90 عاما، لشعورهم بنقص الأمان وهو ما يعثرون عليه حتى في أشخاص غرباء عنهم ويستأنسون به وتنشأ بينهم علاقة اجتماعية فيرون في الغريب مخلصا لهم.