عدد المساهمات : 9744 نقاط : 37936 تاريخ التسجيل : 21/08/2007
موضوع: "خربوشة".. المرأة التي هزمت الجبروت بالكلمات 16/4/2020, 17:02
..........
"خربوشة".. المرأة التي هزمت الجبروت بالكلمات
الأغنية التي إغتيلت بسببها خربوشة شاعرة الثورة في المغرب
حكاية خربوشة بالفيديو وبالصوت
يزخر التاريخ المغربي عبر جميع الحقب بقصص كثيرة لنساء رائدات في شتى المجالات، تركن بصمات وصمدن إما من أجل مبدأ أو دفاعا عن الحق في مواجهة الظلم والعدوان بجميع أشكاله.
ومن بين قصص الكفاح النسائية لمناضلات قهرن الخوف وأظهرن شجاعة لا تقل عن شجاعة الرجال في ساحات النضال ومقارعة الظلم والاستبداد، نذكر "خربوشة".
تعددت الأسماء و"خربوشة" واحدة
خربوشة أو "حادة الغياثية العبدية"، المرأة المناضلة التي طبعت الذاكرة الشعبية العبدية منذ أواخر القرن التاسع عشر لتكتسي فيما بعد "قناعا" أسطوريا تحولت بفضله إلى رمز وطني للمقاومة و الصمود في وجه الفساد و الاستبداد.
ولم نكن لنسمع بـ"خربوشة" لولا بعض الرباعيات الزجلية التي وجدت متناثرة في بعض العيوط العبدية، ولولا العيطة الشهيرة المسماة باسمها. فسليلة قبائل "ولاد زيد" ومفخرة منطقة "الحصبة" تركت إرثا إنسانيا عظيما أرّخ لوجودها بل و تعداه ليحكي حقبة كاملة من تاريخ عبدة المنسي.
في هذا السياق، يرى الدكتور نسيم حداد الباحث في فنون العيطة، أن تجميع حكاية خربوشة يمكننا أن نقوم به انطلاقا مما جاء في لسان العيطة، ونذكر على سبيل المثال: ""خربوشة، زروالة، الكريدة ..." و غيره مما جاء في وصف لبطلة قصتنا "حادة" أو "حويدة" كما اشتهرت، وهذه الأوصاف تدل مما لا شك فيه عن شعر أجعد (الكريدة) و عينان زرقاوتان (زروالة) ووجه تعلوه الندبات من آثار مرض الجذري (خربوشة)، وهذه كلها أوصاف عرفت بهم "حادة الزايدية" وخطّتهم منون العيطة"، مشيرا إلى أن "العديد من الباحثين ذهبوا إلى ربط كونها كانت غير ذات جمال بقدرتها على مخالطة الرجال من قبيلتها في ثورتهم ضد القائد عيسى بن عمر. لكن و في اعتقادي، ربط من هذا القبيل يعد تنميطا للصورة الذكورية السائدة ونكرانا لدور المرأة المغربية إلى جانب الرجل في كل مواقف الحياة. ودليلي هو كل تلك القصص عن نساء مناضلات طبعن التاريخ المغربي منذ العهد الأمازيغي مرورا بالفتح الإسلامي ووصولا إلى الحاضر المعاش".
سي عيسى قائد بالحديد والنار
ولمن لا يعرف القائد عيسى بن عمر العبدي، فهو واحد من كبار القياد الجهويين في المغرب. ولد بثمرة، إحدى فخذات قبيلة البحاترة في عبدة، سنة 1842، من عائلة قيادية، ورغم أنه لم يتجاوز في تعليمه الطور الأول من الكُتَّاب، فقد أبان في شبابه عن كثير من الدهاء، مما جعل شقيقه الأكبر، القائد محمد بن عمر، يؤثره عن غيره من بنيه وأهله ويعتمده خليفة له، فأظهر تفوقا في كل المهام السياسية والعسكرية، التي أناطه بها، مما أكسبه صيتا واعتبارا وازنا في دار المخزن، يسّرت عليه خلافة أخيه بعد موته سنة 1879. كما سيختاره، لاحقا، المولى عبد الحفيظ (1908 -1912) وزيرا لخارجية المغرب فور مبايعته سلطانا للجهاد والإنقاذ.
وإضافة إلى دهائه وبطشه، كان عيسى بن عمر رجل نشاط وزهو، مُحبا لسهرات الفن الشعبي. وحتى يضمن منصبه قائدا متحكما ويحافظ على عيشه، كان يُثقل كاهل سكان قبائل عبدة بالضرائب، حتى لو صادفت سنوات القحط والأمراض.
ومن سوء حظ رجل يسمى القائد عيسى بن عمر العبدي، أن توجد في عهده شاعرة وفنانة شعبية اسمها "حويدة" من قبيلة أولاد زيد لا يلجم لسانها المتدفق شررا جبروت و لا سطوة ظالم.
ثورة الكرامة لأولاد زيد
في هذا الصدد، يقول حداد في تصريح لـ " pjd.ma" : "لن أخوض في تاريخ عبدة، ولن أعيد ما جاء به مجموعة من الباحثين المعاصرين من تأريخ لحقبة القائد عيسى بن عمر مشكورين، لكن لا بد من التذكير بالحيثيات التاريخية، فقد ارتبط اسم "خربوشة" باسم أحد أكبر القواد في التاريخ المغربي والمعروف باسم "سي عيسى"، وقد تمخضت حكايتها عن ظروف عصيبة تتشابك فيها القواسم الطبيعية بالبطش السلطوي. فقبيلة أولاد زيد كانت من أكثر القبائل تضررا من سنوات الجفاف وارتفاع الثقل الجبائي نتيجة الاعتصار الضريبي للمخزن، فما كان لسكان هذه القبيلة سوى الخروج من ديارهم في عام سمي بـ"عام الهربة" سنة 1895. فكانت هذه بداية انتفاضتهم التي تبعتها مجموعة ثورات انتهت بما يسمى ب"عام الرفسة" بعد أن غدر بهم القائد "عيسى بن عمر" على حسب ذكر بعض المؤرخين. لكن وطوال هذه الثورة (التي دامت أربعة أشهر)، ظلت "خربوشة" مصدرا لحفز الهمم و هز المشاعر والتحميس على الصمود و النضال من أجل بلوغ كرامة العيش، ولعل ما شهد من بسالة قبائل أولاد زيد مصدره تلك المرأة المناضلة "حويدة" ووقوده تلك الرباعيات أو (العروبيات) الزجلية التي صاحت وتغنت بها".
فخلال الأربعة أشهر، كانت حويدة (خربوشة) الشاعرة والمغنية الشعبية، إلى جانب الثوار، مُحرضة ومحققة للحماس الضروري، ومما كانت تقوله:
- بْغيت السيبة ما بْغيت احكام.. من دابه ثمانية أيام على السي عيسى الثمري..
- أنا عبدة لعبدة ولسي عيسى.. لا نوضا نوضا حتى لبوكشور.. نوضا نوضا حتى دار السي قدور..
-سير أعيسى بن عمر.. وكّالْ الجيفة قْتّال خوتو.. ومحلل الحرام.. سير عمر الظالم ما يروح سالم.. وعمر العلفة.. ما تزيد بلا علام ورا حلفت الجمعة مع الثلاثْ.. يا عويسة فيك لا بقاتْ.
"لكن، وفي ظل الكبح الذي تعرضت له ثورة الكرامة لأولاد زيد، هربت "حادة" بعد أن خلفت وراءها أزجالا تضرب بها الأمثال في الشجاعة و بالمقابل هجاء شرسا للقائد "عيسى بن عمر". فما كان إلا أن أرسل القائد في طلبها و وضع حدا لحياتها ليخرس بذلك كلمة أطربت فحمست و أزعجت"، يضيف الباحث في فنون العيطة.
"خربوشة" تموت "عبدة لعبدة"
هذا، و"تتضارب القصص في طريقة موت "خربوشة" و تتشابك الأحداث في كل ما روي عنها،إذ تذهب بعض الروايات إلى القول بأن استرحامها لعيسى بن عمر فعل فعله المنشود في قلبه، فاستمهل النظر في أمرها، ولما طلبها من سجانها المدعو «الشايب»، أجابه هذا الأخير بأنه فتك بها بعدما أغاضه هجوها لسيده وقائده، ومن شدة غضبه على فعلة سجانه وحسرته المريرة على احويدة، أمر القائد بأن يجلد حتى يعجز عن الكلام، انتقاما واقتصاصا منه، ومن الروايات من تقول أنه تم قتلها ورميها في بئر ما زالت تسمى بئر حويدة، فيما تقول أخرى أنه تم بناء سور عليها،"لكن المهم هو أن "خربوشة كانت وستظل مثالا للمرأة القروية البسيطة المناضلة و رمزا للشجاعة و البسالة كغيرها من نساء مغربيات طبعوا الذاكرة الشعبية منها الشفهية والمكتوبة"، يضيف نسيم حداد.