elgaid59 عضو ذهبي
عدد المساهمات : 9745 نقاط : 37940 تاريخ التسجيل : 21/08/2007
| موضوع: المدرسة الجزائرية في ضوء المقاربة بالكفاءات-(الدكتورة ليلى جباري)- 3/3/2011, 21:40 | |
| ..... المدرسة الجزائرية في ضوء المقاربة بالكفاءات " كتاب السنة الثانية من التعليم المتوسط لغة عربية نموذجا. " الدكتورة ليلى جباري كلية الآداب و اللغات جامعة قسنطينة- الجزائر - الملخص من دواعي التطوير في المناهج التعليمية التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، إذ أثبتت التجارب الميدانية أن المعيار الأساس الذي يقاس به تطور المجتمعات البشرية هو مستوى النجاح الذي تحققه في مجالات التربية والتعليم . فالعملية التعليمية شكل من أشكال تنظيم الحياة المدرسية و جزء من الحركة الثقافية و الحضارية للمجتمع . يتطلب ذلك رؤية تربوية حديثة و نظاما تعليميا لا ينحصر في التحصيل المعرفي و استقبال المعلومات وتخزينها، بل توظيف المعارف النظرية علميا ، و تنمية قدرات التعلم و الإبداع لدى المتعلم، لأجل ذلك انتهجت الجزائر آلية المقاربة بالكفاءات و تحديث مقاصد التعلم، بما يتيح القدرة على التكيف مع وضعيات جديدة و إنشاء علاقة بين الثقافة المدرسية و الممارسات الاجتماعية. و هذه الورقة البحثية تناقش إحدى الإشكالات الأساسية المتصلة بالمنظومة التربوية ، وهي الانتقال من النموذج الكلاسيكي إلى نموذج التعليم الإبداعي، أي تجاوز مرحلة حشد المعلومات و التذكر، وترسيخ ثقافة الابتكار.و قد اخترنا لذلك كتاب السنة الثانية من التعليم المتوسط "لغة عربية " نموذجا . وهي استراتيجية قائمة على المقاربة بالكفاءات ، بوصفها منهجية جديدة لمواجهة تحديات الانفجار المعرفي الذي يشهده القرن الواحد و العشرون، ومن بين الطرائق البيداغوجية التي تجعل المتعلم محور العملية التعلمية ، و تكسبه مهارات تمكنه من إدماج معارفه وتحويلها إلى معارف أدائية. لكن ثمة مؤشرات تومئ إلى عجز النظام التربوي عن الارتقاء و صعوبة تجسيد هذه الآليات الحداثية في المنظومة التربوية .فهناك قرائن عديدة تتحكم في إنجاح هذه العملية والتوافق بين لمقررات المدرسية و الممارسات التطبيقية ، أي بين الواقع و المأمول ، ذلك ما تحاول الإجابة عنه هذه الدراسة المقتضبة . المبحث الأول / مفاهيم نظرية حول مصطلح المقاربة بالكفاءات : تسعى هذه المداخلة إلى الوقوف على واقع التربية و التعليم في الجزائر، و النظر في إحدى جزئيات طرق التعليم المعتمدة في السنة الثانية متوسط "لغة عربية نموذجا ". فمعظم الدول المتقدمة تضع التعليم في أولوية برامجها و سياستها العامة، و تسعى باستمرار إلى مراجعة أساليب و برامج التعليم وفقا للتطور المعلوماتي الذي يشهده العالم اليوم لأجل بناء مجتمع معرفي متميز. فالوظيفة التعليمية لديها لا تنحصر في التحصيل المعرفي ، إنما الرغبة في خلق نموذج المتعلم المنفتح على عالم له القدرة على مواجهة تحديات العولمة و إنتاج المعرفة، بما يؤثر إيجابا في عملية النمو الثقافي و التطور الحضاري الإنساني . فإذا ما "نظرنا إلى الدول الكبرى التي تتصارع على القمة نجدها تطور و تجدد في نظمها التعليمية وتحاول أن تدرس نظم التعليم الأخرى الموجودة في الدول المنافسة، و الولايات المتحدة الأمريكية واليابان خير مثال على ذلك ،و يكفي للتدليل على ذلك ما صرح به وزير التعليم الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية " أن التعليم في اليابان حقق بشكل واضح نجاحا كبيرا في تزويد اليابان بقدرة اقتصادية قادرة على المنافسة بشدة في أسواق الاقتصاد العالمية، لذلك فمن الخير لنا و نحن شعب واقعي و عملي أن نتعلم ما نستطيع تعلمه من النظام التعليمي في اليابان ..." (1) و للإفادة من نظام التعليم في اليابان ، بادرت الحكومة الأمريكية بإرسال فريق متخصص للإطلاع على ما حققه اليابان في مجال التعليم، و التعرف عن قرب على مناهج و طرق التدريس.يفضى هذا إلى إبراز أهمية التعليم و فعاليته في تطوير المجتمعات ، أكان ذلك عسكريا ، ثقافيا أم اقتصاديا، فنحن لا نكاد نجد دولة من دول العالم كأستراليا أو اليابان أو الولايات المتحدة الأمريكية أو جمهورية ألمانيا الاتحادية و المملكة المتحدة، قد حققت تطورا ملموسا في هذه المجالات إلا واستأثر التعليم لديها باهتمام بالغ، ويعد هذا من جملة الأسباب التي جعلت تلك الدول تحقق نقلة حضارية . اتساقا مع ما سبق، رأينا ضرورة تحديد مصطلح المقاربة بالكفاءات approche par compétences ،و ما ينضوي تحته من محمولات دلالية تستلزم توظيف المتعلم للمهارات المنهجية و التواصلية و الذهنية و اللغوية و استحضاره للمعارف السابقة و ربطها بالمكتسبات الجديدة . و قد بدأت آلية المقاربة بالكفاءات في الظهور "كممارسة بيداغوجية لأول مرة في كندا...و انتقلت التجربة إلى فرنسا في التسعينيات لحل مشكلة الفشل الدراسي في الثانويات الفرنسية ...و ارتأت وزارة التربية الوطنية الفرنسية في سنة 1992 العمل بالمقاربات لمواجهة الأزمات التي يتخبط فيها التعليم الفرنسي بعد أن أمضى سنين طويلة في تطبيق البيداغوجيا الفردية .و يشكل اللاتجانس بين التلاميذ و الفشل الدراسي من الأسباب الرئيسية التي دفعت وزير التربية الفرنسي ليونيل جويسبان lyonnele juspain للإفادة من التعليم المجزوئي (المقاربة بالكفاءات) " (2) .و الذي يبدو من منطوق هذا النص أن التحديث modernisation في المنظومة التربوية بات ضروريا بما يتطلب تضمين المناهج الدراسية آليات جديدة ترتكن إلى التحكم الجيد في المعارف العلمية و القدرة على توظيفها في مجالات متعددة و وضعيات متباينة. و هذا على النحو الذي يقر به فيليب برينود Philippe Perrenoud، في أثناء حديثه عن بيداغوجيا الكفاءات و الوضعيات ، و تشديده على إظهار المتعلم لمهاراته المضمرة و غير المضمرة لاتخاذ القرارات و إيجاد الحلول للوضعيات الصعبة .(3) يوحى لنا ضمنيا الانتقال من نظام المقاربة بالأهداف إلى نظام المقاربة بالكفاءات، الذي يشكل تصورا جديدا للمنظومة التربوية ، و يحيلنا إلى الحديث عن "الوضعية المشكلة "situation–problème ،و هي إحدى المصطلحات التي شاعت مع ظهور نظريات التربية الحديثة القائمة على تحسين المستوى التعليمي للتلاميذ ، و يقصد بها المجال الملائم الذي تمارس من خلاله الأنشطة والمهارات التعلمية المتصلة بكفاءة المتعلم ، بعيدا عن التقليد و تكريس المحاكاة ، و كما يذكر ( فيليب ميريو ) Philippe Meirieu في دراسة له حول المقاربة بالكفاءات " هي كيفية التأقلم مع وضعيات معقدة "(4) .ولذلك فإن التلميذ ، يجد نفسه أمام وضعيات جديدة :" – تتيح له فرصة تعبئة مكتسباته في مجالات حياته ، التي تعتبر مركز اهتمامه .- تشكل تحديا بالنسبة للتلميذ ، و محفزا على التعلم الذاتي .- تتيح له فرصة الاستفادة من مكتسباته ، بنقلها بين سياقات مختلفة .- تفتح له آفاق تطبيق مكتسباته .- تحثه على التساؤل عن كيفية بناء و صقل المعرفة .- تمكنه من الربط بين النظري و التطبيقي، و بين مساهمات مختلف المواد الدراسية .- تمكنه من تحديد حاجاته في التعلم، من خلال الفرق بين ما اكتسبه ، و ما يتطلبه حل الوضعية المشكلة . " (5) من هنا تتآتى أهمية القدرة على الإبداع و التفكير الناقد ،و التي يمكن تجسيدها من خلال النشاطات التي توجه للتلميذ ، و تتيح له مجالا للتعبير عن إبداء الرأي ، و إدراك معارف اجتماعية و قيمية مثل المواطنة و التسامح، فضلا عن ترجمة مقدراته المضمرة إلى أداءات فعلية .لعل هذا يستدعي الحديث عن طريقة المناقشة التي تجعل المتعلم أكثر فعالية من مجرد مستقبل للمعلومات و تخزينها ، و تضعه في مواقف تتطلب منه التفكير لإيجاد حلول للمشكلة التي تواجهه؛ فاستخدام " أسلوب المناقشة في التدريس يساعد على نمو التفكير الإبتكاري عند المتعلمين ، و خاصة عندما يتعرضون لحل مشكلة ما ، أو مناقشة قضية اجتماعية ،فنجد الطلاب يبتكرون حلولا جديدة للمشاكل أو القضايا التي تواجههم أو تعرض عليهم . "(6) يقودنا هذا للحديث عن طريقة التعلم التعاوني على النحو الذي تبناها كل من ( روجر جونسون و دفيد جونسون ) ROGER JHONSON et DAVID JHONSON و حيث يكون المدرس مشرفا و ملاحظا، و يتاح للتلاميذ مجال التفاعل فيما بينهم ، و تنمى مهاراتهم المتعددة ، و يتم الإفصاح عن وجهات النظر المختلفة بما يساعد على تنمية روح التقارب بين المتعلمين و اكتساب مهارات تعاونية . ويمكن تجسيد هذا النوع من الأنشطة ، في شكل الأعمال التوجيهية التي تعرض في الأقسام الدراسية و التي يفترض ألا يتجاوز عدد التلاميذ في القسم الواحد عن عشرين تلميذا على أكثر تقدير، إذ " يتم إثارة عقول الطلاب للتفكير من خلال طرح نشاط تفكيري – أو أكثر – عليهم، ونتيجة لممارساتهم له تنمو عمليات التفكير العليا لديهم ..." (7) و ضمن مجموعات بحثية، يقوم التلاميذ بإنجاز عروض مشتركة ، يتولى كل تلميذ جزءا من محاور العرض ، بما يتيح النقاش و الحوار بين أعضاء المجموعة ، و اكتساب آليات التفكير، و الغاية من ذلك هي خلق مدرسة إبداعية تعتمد الابتكار و تفجير الطاقات الإبداعية . و مما يضاف إلى ما تقدم و يمكن إدراجه ضمن بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات ، التي تمكن المتعلم من اكتساب مهارات و سلوكيات تتلاءم مع الوضعيات الجديدة ،" مقاربة الإدماج " approche par intégration هي إحدى الآليات التي تعتمدها مدارس التربية الحديثة لتطوير المدركات و المعارف السلوكية لدى المتعلم. و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى المقاربات النظرية التي اقترحها الباحث التربوي Philippe Perrenoud، و التي يستشف منها أهم مرتكزات وضعية التعلم الإدماجي situation d’apprentissage intégrative ، و حيث يساهم المتعلم في عملية بناء الدرس انطلاقا من مكتسبات سابقة و محاولة تكييفها مع متطلبات وضعية ما،لاكتساب نشاط تعلمي جديد.( يستدعي ذلك تبوء التلميذ الدور المحوري لإدماج و تفعيل مجموعة المهارات المستعرضة ، بما يتيح له اكتساب مهارات لمواجهة وضعيات جديدة . هكذا،" يفيد الإدماج بيداغوجيا توظيف التلميذ مختلف مكتسباته المدرسية و تجنيدها بشكل مترابط و في إطار وضعية ذات دلالة ،للإشارة أن المتعلم هو الفاعل في إدماج المكتسبات و ليس المعلم و لا أي تلميذ عوض آخر ،يعني ذلك أن إدماج المكتسبات عملية شخصية في أساسها . كما لا يمكن إدماج إلا ما هو مكتسب بصورة جيدة ،و معنى ذلك أن على المعلم أن يمكن المتعلم من كل الأدوات التي تسمح له باستثمار مكتسباته . " (9) و يبقى أن نشير في هذا الإطار، واتساقا مع ما سبق إلى ضرورة تحديث المناهج الدراسية و آليات التعليم الإجرائية و منها المقاربة بالكفاءات، التي تبين لنا من خلال عرضنا لمجموعة من المفاهيم النظرية مدى فعاليتها في مجالي التربية و التعليم. فقد بات من الضروري إعادة النظر في أساليب التدريس ، و في المناهج التعليمية و الدور الذي يتولاه المتعلم ، فضلا عن الوقوف على مختلف الأنشطة التعلمية القائمة على التفكير الناقد و التحليل و الاستقراء . المبحث الثاني /الإصلاحات التربوية الجزائرية بين التنظير و الممارسة : لقد رافق الاهتمام بالعملية التعليمية في العالم العربي تطويرا في طرق تدريس ، تمثل في النشاطات المدرسية و التنمية الذهنية لدى المتعلمين و اكتساب المهارات، وكيفية الإفادة علميا من الحاسوب الآلي ، إضافة إلى الروح الجماعية التي يشكلها المدرس داخل الصفوف المدرسية، مما يولد التواصل بين التلاميذ؛لأجل ذلك ارتأينا في هذا المبحث تسليط الضوء على الفلسفة المطروحة في هذا المجال ، والتشديد على دور المنظومة التربوية في تطوير المجتمعات وفي تفعيل الحراك الثقافي والحضاري. و الجزائر من بين البلدان العربية التي تبنت بيداغوجيا الكفاءات، و سعت إلى إجراء جملة من التجديدات في منظومة التربية بهدف الانتقال من المجال المحلي إلى المجال العالمي، في ظل التفجير المعرفي و ثقافة المعلومات التي يشهدها القرن الواحد و العشرون .و "رغم أن المقاربة بالكفاءات طريقة تربوية قديمة بالنسبة للتداول المعرفي و النظري إلا أنها حديثة بالنسبة للمناهج التربوية الجزائرية ، إذ رغم قدم وجود هذا الإطار إلا أن الحقل التربوي ظل و لفترة طويلة خاضعا لنمط التدريس بالأهداف ، الطريقة التي تركز بشكل أساسي على الكم و التراكم ، و بإزاء عمليات الإصلاح التربوي الجديدة دخل إلى الحقل الثقافي التربوي مصطلح المقاربة بالكفاءات بصورة مفاجئة مما جعل المكلفين بتطبيقه في حيرة من أمرهم و تطلب الأمر منهم البحث الواسع لتدارك حالات الاغتراب عن الموضوع "(10). فإذا كان التلقين بمفهومه العام هو وسيلة لتبليغ المعارف و المعلومات ، فإن التلقين التقليدي يشكل عائقا أمام فرص الإبداع و الابتكار ، و يحد من تطوير ملكات المتعلم الفردية ، مما يحتم العناية بالتعليم الإبداعي الذي يرتكز أساسا على المقاربة بالكفاءات ؛ و يفترض أن يكون منفتحا عل أسئلة الواقع ، بما يتيح للتلميذ اكتساب مهارات تؤهله للتعامل مع معطيات عصر العولمة . فمن الأهمية بمكان إيجاد آلية تعلمية لإخراج المنظومة التربوية من دائرة التلقين وجعلها أكثر فعالية ، فيحصل التلميذ على مستوى تعليميا يمكنه من مواجهة الوضعيات المعقدة ، مثلما يؤهله لامتلاك الكفاءات و التفاعل مع المعارف العلمية الجديدة . و مما تجب الإشارة إليه أن المدرسة الجزائرية في السنوات الأخيرة بدأت تعنى بثقافة التفكير لدى التلميذ ، و المهتمون بالحقل التعليمي يضعون فنون التفكير النقدي في مقدمة أولوياتهم ،لكن المشتغلين بهذا المجال غالبا ما يصطدمون بعوائق متعددة على مستوى التطبيق و الممارسة الميدانية ، لعل أهمها تلك التي تتصل بالتراكم الكمي للمعارف ومواد التدريس التي تقوم عليها المنظومة التربوية.فنحن إن كنا نلمس تطورا ملحوظا في قطاع التربية ، فإن هذا التطور ظل يتسم بالطابع الكمي دون العناية بتحسين نوعية التعليم ، لذلك يغلب الجانب النظري على مقررات التدريس ، في حين لا يولى الاهتمام الأوفر للأعمال التوجيهية و التطبيقية ، بما يكرس حشد المعلومات و تذكرها في عملية التقويم. فمن الأهمية بمكان " الاهتمام بتحقيق الأهداف التعليمية التي تشمل مستويات المجال المهاري الحركي ، والتي تتم عن طريق الاهتمام بالتطبيقات العلمية و الارتباط الوثيق بواقع حياة المتعلم الفعلية في عصر اقتصاد المعرفة ...و الاهتمام بتحقيق الأهداف التعليمية في المجال المعرفي ، و التي تتم عن طريق تنمية مهارات التفكير الناقد و المتشعب و تنمية القدرات الفعلية المختلفة ..."(11).فثمة مؤشرات عديدة في النص المقتبس تومئ إلى ضرورة الاهتمام بالنشاطات التطبيقية وتنمية المؤهلات الذاتية و مهارات النقد و التحليل ،بما يؤدي إلى إرساء ثقافة الجودة في التعليم ، و التي تفيد المتعلم في صيرورته التاريخية و الاجتماعية . و نظرة فاحصة على تحصيل المعلومات لدى المتلقي ( التلميذ الجزائري )تبين أن بعض المدرسين يفضلون الطريقة الإلقائية ، فيتعرض التلميذ لساعات طويلة من التلقين المتواصل ، و يشكل ذلك عائقا لسير عملية التفاعل و الاستيعاب الايجابي؛ و في كثير من الأحيان يتحول القسم إلى مصدر قلق و توتر ، و ينتاب التلميذ إحساس بالتسلط الذي يمارسه الأستاذ، فينعكس ذلك سلبا على مهاراته التعليمية و يشعره بالتهميش . فالمدرسة الجزائرية في تقديرنا لم ترسخ ثقافة التفكير و الإبداع في ذهن المتعلم ، بل لا تزال العملية التعلمية – بشكل عام – قائمة على إستراتيجية تذكر المعرفة و استحضار المعلومات، و التلميذ يسعى جاهدا للحصول على علامات تؤهله للنجاح و الانتقال إلى السنة الدراسية الموالية .و نحن لا نلمح إلى تدني كفاءة الأستاذ ،بل يمكن الحديث في هذا الصدد عن مجموعة العوامل التي تعيق سير الدرس ، لعل أهمها يكمن في اكتظاظ القاعات ، يضاف إلى ذلك المقررات و المواد التي تحتوي على العديد من الوحدات و المحاور، و التي تؤثر سلبا على مسار التواصل بين التلميذ و الأستاذ . يستدعي الحديث هنا عن طريقة المناقشة التي تجعل المتعلم أكثر فعالية من مجرد مستقبل للمعلومات ، و تضعه في مواقف تتطلب منه التفكير في حل للمشكلة التي تواجهه ، ذلك أن أسلوب المناقشة في التدريس يساعد على نمو التفكير الإبتكاري لدى المتعلمين ، و يتيح لهم مجال التفاعل فيما بينهم ، و ينمي مهاراتهم المتعددة و يكشف في الوقت ذاته عن وجهات النظر المختلفة بما يساعد على تنمية روح التقارب بين التلاميذ و اكتساب مهارات تعاونية . و نحن إذ نلمح هنا إلى إستراتيجية التعلم التعاوني apprentissage cooperatif التي تعد من تقنيات بيداغوجيا الكفاءات التي اعتمدتها المدرسة المدرسة، نشير إلى أن الهياكل التعليمية لم يتح لها القدر الكافي لأداء العملية التربوية على أكمل وجه، بعد الانتقال من التدريس بالأهداف إلى نموذج التدريس بالمقاربة بالكفاءات . و ما يمكن ملامسته على المستوى التطبيقي مفارقة الإصلاحات التربوية للواقع الملموس ، مما انعكس سلبا على المستوى التحصيلي للتلاميذ مثلما أكدت ذلك الكثير من البحوث التربوية التي أجريت في الجزائر . و مرد ذلك أسباب عديدة ، لعل أهمها تغييب دور الأستاذ و إخراجه من دائرة الإصلاحات التربوية ، ما أدى إلى ضآلة المردودية البيداغوجية، هذا إذا أضفنا أن الكثير من العوائق تقف دون أداء الأستاذ لدوره التعليمي أو التربوي بالصورة المثلى ، نذكر في هذا السياق ضعف أجور عمال التربية مع غلاء مستوى المعيشة ، و انعدام تحفيزهم ماديا و معنويا ، بسبب التحولات الاقتصادية التي تشهدها الجزائر ، و المدرسة التي يعول عليها المجتمع و يعقد عليها آماله تتأثر سلبا و إيجابا بكل تلك المعطيات . من بين ما يلفت الانتباه أيضا ، عدم الاكتراث لتكوين السلك التعليمي ، فالأستاذ لا يمتلك تقنيات التعليم الحديثة –و هو الذي اعتاد على سلوكيات براغماتية في الآداء التعليمي - التي تؤهله لكيفية استخدام تلك الآليات ،نضيف إلى ذلك اكتظاظ قاعات الدراسة الذي يحيل دون تنمية مهارات التلاميذ بصورة متساوية، و جعل العملية التعلمية اكثر فعالية. نذكر في هذا الاطار ما شهدته إكماليات التعليم المتوسط خلال الدخول المدرسي الفارط 2008 -2009 ،إذ تم انتقال معظم تلاميذ السنتين الخامسة والسادسة إلى السنة أولى متوسط،تزامنا مع تطبيق الإصلاحات التربوية التي توجب تدريس الفئتين( تلاميذ نظام الإصلاحات و تلاميذ النظام الجديد) في قسم واحد، تجاوز العدد فيه خمسين تلميذا. يبقى أن نسجل في هذا الصدد دور المؤسسات التربوية التي تفتقر إلى الإمكانات المادية التي تتيح للتلاميذ ممارسة مهاراتهم و مقدراتهم الذهنية لما يتلقوه من معارف و معلومات داخل القاعة، مثلما ينمي ذلك إحساسهم بالتنافس العلمي و المهاري . المبحث الثالث/ كتاب السنة الثانية متوسط لغة عربية نموذجا : يمكن تحديد مفهوم التدريس الفعال بذلك "النمط من التدريس الذي يفعل دور الطالب في التعليم فلا يكون الطالب فيه متلق للمعلوت فقط بل مشاركا و باحثا عن المعلومة بشتى الوسائل الممكنة ،وبكلمات أكثر دقة هو نمط من التدريس يعتمد على النشاط الذاتي و المشاركة الايجابية للمتعلم و التي من خلالها قد يقوم بالبحث و الاستنتاج، و تساعده في التوصل الى المعلومة المطلوبة و تحت إشراف المعلم و توجيهه و تقويمه "( 12) و يمكن الحديث في هذا السياق عن امكانيات التلقي في طور التعليم المتوسط في ضوء المقاربة بالكفاءات، و حيث يصبح المتعلم شريكا في بناء المواقف التعليمية وإنتاج المعرفة بتساؤلاته و نقاشاته،و ما اكتسبه من خبرات معرفية و منهجية في أثناء سير الدرس .و إذا كانت معالم سير الدرس تتحدد وفقا للأسلوب المعتمد لدى الأستاذ، فإن عملية استقبال المعلومات و المعارف تختلف من متلق إلى آخر من حيث قدرة الاستيعاب و سرعة الفهم.ويبقى الهدف الأساس من العملية التعلمية على النحو الذي يقره جان بياجي jean piaget هو( تخريج رجال قادرين على إنتاج أشياء جديدة و ليس إعادة ما أنتجته الأجيال السابقة ، و إن أهم الأمور التي تساعد في تحقيق ذلك هو تشجيع التفكير والتأمل والمبادرات عند المتعلمين، إذ أن هدف التفكير و التعليم ينبغي أن يتيح الفرصة للطلاب لتمكينهم من التفكير الإبداعي،و ممارسة قدراتهم استعدادا لمواجهة الحياة .)بعد طرحنا لهذه المقاربة النظرية نحيل الحديث إلى بعض الأنشطة المقررة لمنهاج السنة الثانية متوسط مادة اللغة العربية،و التي يمكن حصرها ضمن المحاور الآتية : القراءة و دراسة النص : يعد المحور الأساس الذي تبنى وفقه الأنشطة الأخرى و يتم عرضه في بداية كل وحدة تعليمية، يوظفه الأستاذ لتمكين التلميذ من اكتساب آليات القراءة السليمة التي تؤهله لفهم النص و قراءته قراءة نقدية تحليلية؛ و يخضع هذا النشاط الذهني لعدد التلاميذ و مقدراتهم و للمستوى المعرفي للنص و طبيعة الأهداف المراد تحقيقها . نلفت الانتباه هنا إلى أن الأستاذ يقوم بتقديم قراءة نموذجية ، فيما يتولى التلاميذ قراءة بعض الفقرات للوقوف على الوضعيات البيداغوجية التي يحتويها النص .الوحدة التعليمية :الأساطير المادة :أدب عربي النشاط : قراءة و دراسة النص الوضعية :عودة أوديسيوس من خلال هذا النشاط يمكن اكتشاف المعطيات الآتية:(ما الذي كان يحدث في إيتاكا قبيل عودة أوديسيوس الى مملكته ؟ما الذي كانت تأمله بينيلوب ؟عما صمم أوديسيوس حينما لقي إبنه تليماك؟هل كانت الخطة التي أعدتها بينيلوب خطة محكمة؟ما هو النمط الغالب على النص ،الحوار ،السرد ، ام الوصف ؟ماذا كان يحدث لو أن البطل اتخذ موقفا آخر؟)كما أن القراءة المتمعنة للنص تتيح للتلاميذ اكتشاف بعض المصطلحات التي تعذر عليهم فهمها و إثراء قاموسهم اللغوي، ثم يطرح الأستاذ أسئلة لإثارة نشاطهم الفكري و تحقيق القدرة على التواصل باستخدام الحجج المنطقية ؛ مع إدماج المعارف النحوية و الصرفية ليتسنى للتلاميذ تصويب أخطاء بعضهم البعض .الوحدة التعليمية : الأساطير المادة :أدب عربي النشاط :قواعد اللغة الوضعية :إسناد الفعل الأجوف في الماضي و المضارع في حالات الرفع و النصب و الجزم إجراءات تطبيقية حول الوضعية :1- أكتب فقرة تسرد فيها حدثا أو مغامرة من اختيارك على أن توظف أربعة أفعال جوفاء .2- أعرب الجمل الآتية و الواردة في النص : (لكن البحر هاج ،كل الناس اعتقدوا أن بينيلوب باتت أرملة .) 3 -استخرج من النص الأفعال الماضية و المضارعة ثم أسندها إلى ضمائر الرفع المنفصلة ثم بين ما يمكن ملاحظته .يمكن للتلميذ أن يتذكر من خلال نشاط هذه الوحدة مايلي :- الفعل الأجوف هو ما كانت عينه حرف علة، يحال التلميذ هنا إلى أمثلة وردت في النص (صار- قالت – يهيم- صاحوا-) - تحذف عين الفعل المضارع المجزوم في ضمائر المتكلم: (أنا،نحن) المخاطب(أنت،أنت) الغائب(هو،هي،هن) .- تحذف عين الأجوف في الأمر مع ضمائر الرفع : (أنت،أنتن)الوحدة التعليمية :الأساطير .المادة :أدب عربي .النشاط : المطالعة الموجهة .الوضعية : من الأساطير الشرقية القديمة .نذكر على سبيل المثال قصة إزيس و أوزيريس و هي من أجمل القصص المصرية القديمة التي تروي لنا تآمر منافسي إيزيس و تنحيته من الحكم ثم قتله ، لكن زوجته أوزيريس تظل وفية لزوجها و تحتكم للآلهة التي تجعل الابن (حورس) يتولى المملكة و تعيد بعث روح إيزيس من جديد .- الهدف من نشاط هذه الوحدة هو تنمية المهارات المعرفية و اللغوية لدى التلميذ، و كذلك الاستعداد لتحضير حصة التعبير الشفوي، و يتم إنجاز ذلك وفق الخطوات التالية:دراسة النصين ، كأن يقارن التلميذ بين أحداث القصتين ، و يتم ذلك في شكل نشاط جماعي حتى يتسنى لكل تلميذ عرض رأيه الخاص، بما يتيح إثراء النصين و إعطاء التلاميذ مساحة من الحرية للتعبير عن وجهات نظرهم المختلفة .- إعداد بطاقتين يسجل فيهما التلميذ أهم المعطيات الواردة في كل نص على حدة مثل:- (أوديسيوس من أبطال حرب طروادة –وفاء بينيلوب لزوجها و لجوءها إلى الحيل للحفاظ على المملكة-عودة أديسيوس إلى إتاكة و انتصاره على أعدائه) - (أوزيريس هو الحاكم العادل في الأرض- التآمر على أوزيريس و قتله –بعث روح أوزيريس من جديد بعد احتكام زوجته إيزيس للآلهة .)و مما تجب الإشارة إليه أن التلاميذ يكلفون من لدن الأستاذ لمطالعة نص خارجي ، يتم عرضه في حصة الأعمال التوجيهية و توظف من خلال ذلك النشاطات التالية :- ( التدريب على آليات التحدث شفهيا –إبداء الرأي الخاص حول موقف ما ورد في النص –وضع عنوان آخر للنص – تلخيص النص الذي يتطلب مهارات لغوية معينة ) يقوم الأستاذ هنا بدور الملاحظ و الموجه، مع تحفيز التلاميذ على المناقشة و إدماج ما اكتسبوه من معارف و مهارات لغوية و تصويب الأخطاء التعبيرية و اللغوية التي تصادفهم.الوحدة التعليمية :الأساطير المادة: أدب عربي النشاط :تقنيات التعبير الوضعية :سرد حدث بسيط ,نص مقترح للدراسة : " تناول أوديسيوس القوس و بكل سهولة و بلا عناء ،و كأنه يعزف على وتر قيتارة ،سحب سهما و وضعه على الوتر و من دون أن يتحرك من مقعده ،أرسله باتجاه الحلقات الإثنتي عشر."بعد التأمل في النص وقراءته قراءة واعية يستنتج التلميذ ما يلي:1 - النص يسرد أحداثا و أفعالا و أقوالا متسلسلة مثل الحكاية و القصة و غيرهما من الخطابات المكتوبة. 2 –الحدث البسيط : يتأمل التلميذ النص السابق و يدرك بعد التمعن أنه عبارة عن سرد لحدث بسيط، فهناك شخصية واحدة ممثلة في أوديسيوس و سارد يتولى تقديم الوقائع و فق ترتيب منطقي.(تناول القوس- سحب السهم و وضعه على وتر القوس- توجيه السهم و إصابة الهدف )3 - تدريب التلميذ على كيفية سرد حدث بسيط: يتم إنجاز هذا النشاط من خلال تحديد الشخصية المحورية و وقائع الحدث ، حيث يقوم التلميذ بتأليف قصة تتكرر وقائعها باستمرار باعتماد مخيلته و تصوراته الذاتية .و ما يمكن التنبيه إليه أن التعبير الكتابي يتطلب الممارسة و التدريب المتواصل مما يكسب التلميذ مهارة لغوية و تطبيق معارفه في وضعيات جديدة ، فالهدف الأساس من الكتابة هو كما يرى دو سوسير DE SAUSSURE تثبيت رموز اللغة ، و هذا ما يجعلها تمثل الصورة الملموسة و الشكل المجسد للصور السمعية للكلام .استنتاج عام : لعله من المفيد أن نشير في نهاية هذا البحث أن آلية المقاربة بالكفاءات تسعى إلى تثقيف التلميذ وإعداده لمواجهة عصر الانفجار المعرفي، و دونما ارتهان للنظريات و المفاهيم المجردة ،بل تجسيد المعارف التي يتلقاها في شكل سلوكيات اجتماعية و نفسية، و توظيفها في حل الوضعيات المعقدة . من هنا تتآتى أهمية دور المتعلم في بناء المعرفة و في خلق مدرسة أكثر نجاعة . ومما تجب الإشارة إليه أن المدرسة الجزائرية باعتمادها بيداغوجيا الكفاءات لا تزال قيد التجريب ،و لم يتح لمثل هذه الآليات التلقي الناجع في الأوساط التربوية ، نرجع ذلك إلى التفاوت القائم بين الطروحات النظرية و مجالات التطبيق ، إذ يلاحظ اكتظاظ في الأقسام ، و البرامج المتشعبة التي يتعذر على الأساتذة تطبيقها في الأوقات المحددة للدراسة ، مما يلزم التلاميذ اللجوء إلى الدروس الخصوصية، هذا إذا أضفنا عاملا أساسيا يتصل بتكوين الأساتذة و تهيئتهم لتلقي مثل هذه المناهج الحداثية .مراجع البحث:1 – عنتر محمد أحمد عبد العال ، أ زمة التعليم و نهاية الحلم الأمريكي . www.ofouq.com2 – منتدى التربية و التعليم العام ،من التلقين إلى التدريس بالأهداف إلى المقاربة بالكفاءات .www.djelfa.info 3 –Philippe perrenoud, l’ approche par cometences de l èleve www.Francois.muller.free.fr 4- la compétence d’après Philippe merieu www.francois.muller.free.fr 5– مجلة التربية و التعليم ،المفاهيم المرتبطة بالوضعية – المشكلة www.majala.educa.ass - 6 – علم الدين عبد الرحمان الخطيب ،أساليب طرق التدريس ، ط 2 ،طرابلس 1997، ص 49 .7 – حس حسن زيتون ، نموذج رحلة التدريس ،عالم الكتب ،ط 1 ، القاهرة 2003 ،ص 53.8- Philippe perrenoud , l’ apprpche par competences durant la scolarité obligatoire sciences de l éducation –université de genève 1996 9 – و علي محمد الطاهر ، نشاطات الإدماج ، لماذا؟متى ؟كيف ؟المعهد الوطني لمستخدمي التربية .www.infpe.edu.dz didactique10 – الطاهر مرابعي ، معضلة التدريس بالكفاءات www.djelfa.info 11 –سهيلة القبلاوي ، أحمد هلالي،المنهاج التعليمي والتوجه الأيديولوجي، النظرية والتطبيق،ط 6 دار النشر و التوزيع 2006 ، ص 32 .12 – محمود داود سلمان الربيعي ، طرائق وأساليب التدريس المعاصرة ، ط 1،عالم جدار للكتاب العالمي ، اربد 2006،ص 36. | |
|
HAFAFA عضو فعال
عدد المساهمات : 479 نقاط : 5897 تاريخ التسجيل : 09/02/2010
| موضوع: رد: المدرسة الجزائرية في ضوء المقاربة بالكفاءات-(الدكتورة ليلى جباري)- 17/2/2012, 23:58 | |
| فعلا عضو خبير زادك الله من علمه و افادنا بما لدبك و ادى غيرك و بالتوفيق للجميع
| |
|