.......
الهاتف المتصل بالإنترنت جعل أبناءنا أيتاماً!من مخاطر الانشغال عن الأبناء بسبب التكنولوجيا الحديثةالشروق : 27-10-2016عاد الأبناء من المدرسة وبعد تناول الطعام قررت أن نلعب سوياً حتى يرفهوا عن أنفسهم قليلاً بعد عناء يوم دراسي طويل، واتفقت مع ابني محمود البالغ من العمر سبع سنوات أن نبحث سوياً عن الدول العربية في خريطة العالم، لكنه وجدني ألتقط هاتفي الجوال، فنظر إلي بامتعاض شديد، فأخبرته إنني سأعتذر لصديقتي بأنني سوف أتركها لأنني ألعب الآن مع صغاري، فسعد جداً وبدأنا اللعب!
كنت أعطيه اسم الدولة، وهو يأخذ بعض الوقت للبحث عنها، فكنت أستغل هذه اللحظات - وأنا جالسة معه - للرد على بعض الرسائل الواردة لهاتفي الجوال، دقائق وبدأ يتأفف بعصبية لأنه لم يجد الدول، وأغلق الكتاب وتركني! غيرت اللعبة وقررنا أن نلعب أنا وأخوته " لعبة البحث عن الألوان" وعرضت عليه اللعب معنا، فاستجاب وهو ما زال ممتعضاً، لكن مع الوقت بدأ يضحك، وانتهى وقت اللعب بمرح وذهب كل إلى فراشه، لكن محمود ناداني قائلاً: " وعدت أن تتركي الهاتف الجوال وتعتذري لصديقتك لأجلي، لكنك لم تفي بوعدك! " فهمت الأمر واعتذرت له سريعاً بألا يتكرر الأمر، وأخبرته إن احتجت لشيء من هاتفي الجوال خلال لعبي معه سوف استأذنه أولاً، فابتسم راضياً وخلد إلى النوم".
حال هذه الأم كغيرها من الأمهات، يؤثر هاتفها الجوال على علاقتها بالأبناء، فهي تشعرهم بالإهمال وعدم القيمة، بل وسيعيش معه هذا الإحساس عندما يكبر، وسوف ينقله لمن حوله، فقد صار اهتمام الوالدين معلقا بوسائط التواصل الاجتماعي، حتى انصرفوا عن الاهتمام بأبنائهم والانشغال بتربيتهم وحسن توجيههم، فكثير من الآباء والأمهات انشغلوا بوسائل التواصل المجانية مثل الـ (واتس أب، الفيس بوك، انستجرام ) حتى صار هذا الجيل من الآباء والأمهات يوصف بجيل "الرقبة المنحنية" من كثرة انحناء الرأس على الهواتف النقالة، وصار الـ (واتس أب) اليوم يدير أوقاتنا؛ حتى افقدنا الإحساس بطعم الحياة والتأمل بالطبيعة والتفكر بمجريات الأحداث، والتركيز على الأهداف والاستمرار بالإنجاز.
الأبناء يتألمون!
تواصلنا مع بعض الأبناء لرصد رؤيتهم لهذا الأمر فتبدأ حنان 14 عام قائلا: " في بيتنا تجد أخوتي الصغار يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه أو تربية مقننة أو مخطط لها، فأمي في غرفة نومها وقد تركت الباب مفتوحاً ظناً منها أنها تراقبنا لكنها منشغلة ترسل الصور أو مقاطع الفيديو عبر الـ (واتس أب)، وأبي يعود من العمل يشعر بالملل لا يريد إزعاجاً منا، لكنه قد يشغل سويعاته الأخيرة قبل النوم بإرسال الطرائف والنكت لأحبابه عبر الـ (واتس أب)، فأمنيتي في الحياة أن أكون هاتفا جوالاً؛ حتى تهتم بي أمي وأبي طول اليوم!!
ويتفق معها أمجد 15عام قائلاً: " كنت أغضب كثيراً بسبب انشغال أبي على هاتفه الجوال، لكنني الآن عندما أريد منه شيئاً أراسله عبر الواتس أب ويرد علي سريعاً، قد ألقاه من خلاله لكنني لا ألقاه على أرض الواقع في بيتنا!!"
أما فاطمة 18 عام فقد كانت ا لأكثر تألماً حيث تقول: " كانت أمي تحدد وقتاً لا تمسك فيه هاتفها الجوال وهو منذ عودة أخوتي من المدارس وحتى النوم، لكنها لم تلتزم بالأمر فكثرة الأحداث والأخبار والبوستات على الفيس بوك جعلها لا تستطيع المقاومة، وهذا أُر على علاقتي بها أنا قبل أخوتي الصغار، فأنا في المرحلة الثانوية وأحتاجها صديقة معي، وهي إن تحدثت معي بالها مشغولاً بما هو على الإنترنت، لدرجة إنني أصبحت أتمنى أن أخذ هذا الجوال وأقذفه في البحر! فأمي لا تجد وقتاً لتعيش معنا حياة طبيعة تستمتع فيها بالضحك ، يجب على الآباء والأمهات أن يحددوا أوقات للعائلة، وأن يعطوا كل ذي حق حقه!!".
التربية الميكروفية!
وعن مخاطر الانشغال عن الأبناء بسبب التكنولوجيا الحديثة يقول الدكتور جاسم المطوع: " من أكثر مخاطر التكنولوجيا السريعة والهواتف الذكية، أن الآباء والأمهات صاروا يريدون أن يعالجوا مشاكلهم التربوية بنفس إيقاع التكنولوجيا السريع، ويحسبون أن المشاكل التربوية مثل تسخين الطعام (بالمايكروويف) تعالج بشكل سريع وبجلسة واحدة أو توجيه واحد، إن (التربية الميكروفية) هذه يستحيل تحقيقها لأن الإنسان ليس آلة أو ماكينة، وإنما يحتاج لصبر وتكرار توجيه ودقة متابعة، ومرونة في التعامل معه؛ من أجل تقويم سلوكه وحسن تربيته، فقد الوالدان اليوم السيطرة على تربية أبنائهم في الطعام واللباس والأخلاق والمهارات؛ بسبب كثرة انشغالهم بأنفسهم والتكنولوجيا التي بين أيديهم، وصار الأبناء يعانون من السمنة وسوء التغذية وفقدان الشهية وكثرة الأمراض النفسية والعنف؛ بسبب انصراف الوالدين عن الاهتمام بهم على حساب الواتس أب، الذي يتداول يوميا ما لا يقل عن 27 مليار رسالة، حتى صار الـ (واتس أب) مكانا خصبا للفضائح، وكشف الأسرار والتهديدات والطلاقات، وإخراج كل العواطف المكبوتة.
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الاتصال، ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الاجتماعية، وأكبر أولوية هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة وهذا الهدف لا يأتي إلا (بالاهتمام التربوي والحوار وإشاعة الحب)، وهذه الثلاثية تحتاج لوقت حتى تتأسس بالأسرة، وأختم بتعليق من أحد الآباء بأنه اقترح على عائلته أن يخصص يوما من غير استخدام الهواتف الذكية، وقد نجح كما يقول بتطبيق هذه التجربة، ولكن المهم ألا يكون الـ (واتس أب) أهم من أبنائنا".
..